رواية طريق الحرير 1






طريق الحرير

إبراهيم أحمد عيسى 



















•النبوءة


م1394 – غرناطه


تمايلت أغصان االشجار لتُعبر عن بعض النسيم البارد فى ليله صيفيه غاب قمرها وتلئلئت نجومها لتضفى على قصر الحمراء المزيد من الروعه و
الجمال، ذلك القصرالذى بناه (بنى االحمر ) ليكون مقر لحكمهم وخالفتهم

فى غرناطه أخر احد معاقل المسلمون والعرب فى شبه الجزيرة األيبيريه ، قطع سكون الليل صدى صرخات مدويه .. كان مصدر الصرخات ذلك القصر المهيب حيث كانت تعم أروقته الكثير من الفوضى تتحرك الخادمات فى
سرعه داخل الجناح الملكى بينما يقف الحراس فى صمت ينقلون ابصارهم

فى وجوه الخادمات فى وجوم ..... لم تكن تلك الصرخات سوى صرخات زوجة ملك غرناطه تعلن عن قدوم وليدها إلى الحياه ذلك الطفل التى طالما حلمت بإنجابه .... ليصبح ولى العهد و وريث مملكة غرناطه ، تحمل تقاسيم
وجهها ذلك األلم المختلط بالفرحه أما عقلها كان  يذكرها أن هناك من كان

يضع العرش أمام عينيه ولم يكن يتمنى أن يحصل أخيه على ذلك الطفل الذى جاء إلى الدنيا ليبدد أحالمه وطموحاته .... كل هذا مر بعقلها وهى
تحمل رضيعها بين يديها تتأمله ودموع فرحتها تغرق خديها.


فى الجانب االخر من القصر امام باب بهو السفراء (أو بهو قمارش) الذي

يعد أضخم أبهاء الحمراء سعةً ، وقف حارسان يتجاذبان أطراف الحديث فى خفوت مجرد حديث يكسر ملل نوبه حراستهم قبل ان يتجهم أحدهم ويشير بطرف عينيه إلى القادم بأول الممر وما أن لمحه االخر حتى عدل من وضعيته
ليقف االثنان فى احترام وإنتباه لم ينطقا إال عندما إقترب ذلك الوافد وألقى

عليهم التحيه رد االثنان التحيه بصوت واحد قبل ان يتابع :


- هل موالي الملك بالداخل ؟


..... سيدى نعم -



جائته االجابه من احدهم فى حين وقف االخر وكأنه تمثال يزين مدخل

القاعه .


لم يكن ذلك الوافد سوى ( عبد الله ) قائد الحرس وصديق الملك ((محمد

السابع )) صاحب غرناطة وقف لحظات عَدل فيها من هندامه العسكرى قبل

أن يشير للحارس بفتح الباب لم يتردد الحارس لحظه وهو يفتح الباب العمالق وما إن إنفتح الباب تقدم عبد الله بخطوات ثابته داخل قاعه ضخمه
زينت جدرانها بالنقوش االسالميه والزخارف الرائعه ويتدلى من سقفها

العمالق الذى يحمله أربعة أعمده ضخمه تلك القناديل المملوءه بالزيت

لتضئ القاعه وتحيلها نهاراً .... توقف عبد الله أمام ملكه قائالً:


- السالم عليكم يا أمير المؤمنين


- وعليكم السالم يا عبد الله ..... جاء الرد فاتراً من بين شفتى

(محمد السابع) عقد عبد الله حاجبيه فى استغراب : تهانينا موالى قدوم ولى

العهد ... ألقى كلماته وعيناه تنظر لوجه (محمد) الذى لم يبدو عليه الفرح ولم تحمل
مالمح وجهه سوى القلق والحيره .


- موالى ما بك ؟؟


- ال أعلم يا صديقى أأفرح أم أحزن ؟!


كان (عبد الله) يحاول أن يعرف ماذا حل بصاحبه وهو الذى رزق اليوم بولى

عهده جائت االجابه التى كان يتوقعها .... حين قال (محمد) :

- مازالت تلك الرؤيا تملئ عقلى.

- أنها مجرد أضغاث أحالم سيدى ..... ختم كلماته بإبتسامه زاهيه محاوالً

إزاحة القلق عن قلب رفيق عمره ... الذى تَلقى الكلمات بإبتسامه  باهته قبل

أن يسأله :

- أين أخى (يوسف) ؟؟


أجاب (عبد الله) بإقتضاب وكأنه يعلم مادار بعقل محمد قبل قليل : أنه

(بمالقه)


- جيد .... أريده مراقباً طوال الوقت ... قالها محمد وهو ينهض عن كرسيه

مكمالً : أقيموا اإلحتفاالت فى أنحاء غرناطه قدموا العطايا للفقراء وأعلنوا

قدوم ولى العهد ...

أومأ ( عبد الله ) برأسه وهو يتنحى جانباً ليعطى الملك الطريق ......



*****************************************************

تحولت غرفة الملكه إلي مكان يتعذر العثور على الهدوء بداخلها فقد كان

يعمها جو من البهجه صنعته األميرات والخادمات فرحاً بقدوم ولى العهد

ضحكاتهم ملئت القصر لم وال وهو المولود الذي طال إنتظاره ...

دخلت أحد الخادمات مسرعه إلى الغرفه صارخه : موالى بطريقه إلى هنا ...

كانت كلماتها كفيله بجعلهم يهرعون فى تسوية أثاث الغرفه بسرعة البرق بينما

تعالت ضحكات الملكه المرهقه وهى تنظر لهم ...


لم تمر لحظات وكان (محمد) يدخل إلي الغرفه فى حين تراصت الخادمات صفاً واحداً ... تبسم وهو ينظر إلى زوجته التى حاولت أن تعتدل فى جلستها بينما أشار هو بيده قائالً : ال تتحركى يا ملكتى العزيزه

أشاحت بوجهها فى خجل زاد من جمالها برغم االرهاق الذى يبدو عليها ...

جلس بجوارها وهو يشير للخادمات بأن يخرجوا وما أن اُغلق الباب حتى أمسك بيد زوجته فى حنان وهو ينظر إليها قائالً بصوت هادئ : ما أجملك
اليوم.

تورد خداها فى خجل رسم إبتسامه راقيه على شفتاها  قبل أن تقول : أال تريد

رؤية ولى عهدك ؟؟


وما إن أنهت كلماتها رفعت يديها بما جائت به من جانبها ذلك الرضيع الذى

لم يتعدى عمره سويعات ... مد يديه مبسمالٌ ليحمله وعيناه تتفحص الرضيع النائم يتأمله فى صمت فها هو يصبح والد ... كم تمنى هذا اليوم وها هو
يتحقق .

أحتضن الصغير قبل أن يهمس فى أذنه مأذناً بنداء الحق فى تقليد أشتهر به

المسلمون على مر الزمان ....

وما أن انتهى رفعه مره أخرى أمام وجهه متسائالً فى داخله .... هل أنت خير

لألندلس وما تبقى منها ؟؟

هل ستكون مثل أجدادك أسد يخشاه الجميع ؟؟ حامالَ لواء اإلسالم فى

أرض تكالبت عليها األعداء...قطع تساؤالته صوت زوجته الناعم :

-  موالى هل أخترت أسم األمير ؟؟!!

ألتفت وهو يضع الصغير بجوارها قائالَ :


)هاشم( -


نطقها وعقله يذهب لرؤياه تلك الرؤيا التى تؤرق نومه ... حيث تحترق

غرناطه وقصورها وذلك الفتى الذى يركض ومن فوقه يحلق ذلك الطائر عالياً

فوق أطالل المدينه المحترقه وتلك الكلمات التى لم يفهمها تتعالى فى رأسه

تلك الكلمات التى تعصف بعقله وقلبه .

*********************************************************

قبل ساعات ...

فى احدى الكهوف الصغيره على حدود غرناطه جلست إمرأه أمام بعض

االخشاب المشتعله التى بددت ظلمة الكهف الصغير لم تكن هيئتها ومالبسها

تدل على أنها أندلسيه بدت وكأنها تجسيد لـ(فينوس) ألهة الجمال عند االغريق شعرها االشقر وعيونها الزرقاء يضيفان عليها روعة تكاد أن تضئ ظلمة الليل أو انها كانت مصدر الضوء الذي أشتعلت بفضله تلك النار
الموقده .... كانت منهمكه فى مطالعة أوراق وكتب قديمه وبين الحين

واالخر تنظر للنجوم وتتمتم ببعض الكلمات وعلى وجهها ترتسم إبتسامه توحى بكثير من الراحه ... قطع إسترخائها صوت تحركات خلف بعض الشجيرات خارج كهفها ، سحبت سيفها القصير وتقدمت فى حذر نحو
مصدر الصوت توقفت أمام الشجيرات مشهره سيفها فى تحفظ و.....


- ماذا تفعلين هنا يا سيدتى ؟؟


أفزعتها الكلمات فأستدارت لتواجه قائلها لتجد أمامها عشرة فرسان بكامل عتادهم يمتطون خيول حربيه فوقفت ثابته فى دهشه  قبل أن يعاود قائدهم
السؤال :

-  ماذا تفعلين هنا ؟؟ ومن أنتى ؟؟

جاء السؤال هذه المره بصرامه .... أنزلت سيفها أمام تجهم الجنود وهى

تقول (بعربيه ركيكه ) :

- جئت لمقابلة الخليفه.


ضم مُحدثها حاجبيه وهو يدور حولها بفرسه يتأملها للحظات أوقف بعدها

فرسه وترجل عنه ليتقدم نحوها :


- أأنتى قشتاليه ؟؟


- ال بل يونانيه.


أحتلت قسمات وجوههم االستغراب والدهشه ، فلم يتخيل أحدهم أن هناك

إمرأه تستطيع قطع تلك المسافه وحدها ... أما قائدهم الذى كان الشك يدق طبول اإلنذار فى قلبه كان يقف متأمالً تلك الكتب بجانب النيران المشتعله
ودون أن يستدير:


- وما أدرانا أنك لست سوى جاسوسه قشتاليه تحاول قتل الملك ؟؟


- لقد أتى إلى الدنيا ولى عهدكم ...

كانت إجابتها ال عالقة لها بسؤاله وكانت كفيله بأن تجعله ينتفض ويستدير

ليواجهها ، كان يراوده ذلك االحساس بالقشعريره البارده التى راحت تغزو

جسده ... بينما كان لسان حاله يقول ( كيف عرفت بحمل زوجة الملك ؟؟

)............و


قطعت هى تساؤالت عقله وكأنها عرفت ما يدور بداخله :

•دع تساؤالتك جانباً ... خذني إلي غرناطه وإن كنت خاطئه فلتفعل

بي ما تشاء.

ثقتها وثباتها داعبا عقله محاوالً تصديقها وسط ذهوله مما قد تعرفه تلك المرأه غير ذلك ..... ساد الصمت لحظات ولكن شئ ما داخله صدقها او
باألحرى فضوله دفعه لتصديقها ، تحرك الجنود ليساعدوها فى حزم امتعتها

القليله ، و ماهى اال دقائق أخمدت النيران وأمتطى الجميع خيولهم يحملون معهم تلك الفتاه الغامضه بجانب تساؤالتهم المتالحقه ، ووسط نظرات الجنود المستمره لـ ( أثينا ) كانت هى غارقه فى افكارها تُراجع كل تفاصيل
رحلتها بل كل ثانيه من حياتها  سنوات عمرها  التى قضتها فى البحث عن

صاحب النبوءة ، سنوات تعلمت خاللها الفلك والهندسه بجانب السحر

والمبارزه ، جابت بالد وإمبراطوريات للبحث عن ..... المُخلص.

*********************************************************

أنبثق ضوء الفجر من رحم ظلمه تلك الليله التى لم تشهد قمر ، ليرسم أجمل

لوحات الخالق حيث امتزجت األلوان فوق رؤوس األشجار التى داعبت عنان السماء باغصانها ، فبعد ساعات من السير دون توقف الحت فى االفق أسوار غرناطه وقصرها الرابض فوق التله بلونه األحمر الشهير لتطبع على وجوه
الجنود المرافقين لـ ( أثينا ) بسمة شوق وإرتياح فها هم يعودون إلى غرناطه

بعد شهر من رحله تأمينهم للحدود الشماليه مع قرطبه المحتله .

رحله شاقه ولكنها تعمر قلوبهم بذكر الله وإن كانت مهمتهم هي اإلستطالع فكل منهم يخرج مودعاٌ أهله طالباٌ الشهاده .... أما ما كان يدور بعقولهم هو
رؤيه أوالدهم وزوجاتهم و وجبه دسمه وفراش يمنح أجسادهم راحه أفتقدوها

طوال شهر من المرابطه ، تبددت أفكارهم عندما تذكروا تلك الوافده التى ستعطل ما تمنوه من وجبات وراحه لن يحصلوا عليها قبل أن يقدموا أخبارهم
وتقاريرهم  إلى قادتهم.


عبر الجنود بوابة المدينه العتيقه وهم ينظرون إلى االلوان التى أ كتست بها

الشوارع والحارات من زينه وورود ، ألقى قائد الحرس التحيه على أحد الجنود الذى وقف يتابع العمال وهم يعلقون الزينه ثم أردف مخاطباً الجندى
:

•أهناك حفل زفاف ؟؟!!


ابتسم الجندى وهو يتحدث بزهو كأنه فقيه زمانه :

•إنها االحتفاالت بمولد ولى العهد ( هاشم بن محمد السابع )

.........و

لم يستمع قائد الجند إلى باقى حديث ذلك المتحزلق بل كان عقله يسبح فى كلمات ( أثينا) التى كانت بدورها تبتسم للجنود إبتسامة ثقه فقد صدقت فى ما قالته لهم .... عبر الجنود طرقات المدينه المكتظه بجميع مظاهر الفرح
والسعاده األطفال يغنون ويلعبون ويتجمع الماره أمام المنادى الذى راح يزف

عبر الطرقات من على ظهر حماره منادياً بالدعاء للمولود وأبيه ودعوة أهل المدينه لحضور المأدبه التى أعدها الملك لهم ...... كل هذا لم يمنع عيون
الناس من التساؤل عن تلك المرأه التى يحيطها الفرسان فهيئتها ومالبسها ال

تدل على انها أسيره .

جمال العماره االندلسيه كانت تخطف أنظار( أثينا ) الشوارع الممهده االشجار على جانبى الطريق بيوت زينت بمزيج رائع من الزخارف ، صحيح أنها جابت العالم بمدنه العريقه ولكنها لم تجد أجمل من  (غرناطه ) التى
تعبر هى االن " فناء الريحان الكبير " ذلك الفناء الذي تحاكت عنه قصص

سفراء العالم  كان عباره عن فناء مستطيل الشكل، تتوسطه بركة مياه تظللها أشجار الريحان؛ ونقشت في زواياه عبارة ( النصر والتمكين والفتح المبين لموالنا أبي عبد الله أمير المؤمنين)...  واآلية الكريمة  (وما النصر إال من
عند الله العزيز الحكيم) ، وفي النهاية الجنوبية لهذا البهو باب عربي ضخم

نقش عليه بحروف بارزه ( وال غالب إال الله ) .



*****************************************************

وقف جنود الفرقه التى عثرت على ( أثينا ) فى تململ وهم يحيطونها أمام

باب القاعه الملكيه ، كم تمنوا االن لو لم يعثروا عليها ، تلك المرأه الغريبه

التى مزقت أحالمهم عن الراحه واالسترخاء بعد رحلتهم الطويله .... دقائق من االنتظار  بدت كأنها شهور وأيام قبل أن يفتح باب القاعه الملكيه ليظهر
قائدهم مشيراً لهم بالدخول ، وفى خطوات عسكريه ثابته دخلوا إلى القاعه

تتوسطهم ( أثينا .)

على عرشه كان الخليفه تجسيد للحيره والفضول حيث جلس على طرف

كرسيه متطلعاً  لتلك المرأه االتيه عبر القاعه ملتفاً حولها الجنود فى تحفز ، توقف الجنود فى منتصف القاعه رافعين دروعهم الى صدورهم فى تحيه

للملك بينما اومأ برأسه محيياً إياهم ومازالت عيناه معلقه بتلك المرأه التى

أنحنت لتحية الملك الذى عقد حاجبيه قائالَ في صرامه :


- ال تنحنى مره أخرى فما أنا إال بشر وحتى إن كنت ذا سلطان فال تكرريها.


تقبلت كلماته بأبتسامه أذابت من خاللها ذلك الجدار الجليدى بينهم ،بينما

كانت شجيرات الشك تنزغ قلبه نزغا ... أشار لها بالتقدم قائال :

!!!!؟؟ أنتى من -


- ( أثينا ) اُدعى أثينا


عربيتها الركيكه جعلته يصل لقمة فضوله قائالً:

•لقد أخبرنى قائد الفرقه بكل ما حدث أما االن فأريد أن اعرف منك

.... شئ كل انت

تقدمت أثينا بضع خطوات وبدأت فى سرد قصتها .....


قصتها التى بدأت منذ سنين طويله .............


***********************************************************

•البدايه

تشيان جان – شرق الصين


مع بدء رحله المغيب لشمس قد أزف وقت رحيلها بدأت طرقات مدينه  " تشيان جان " و سوقها يخلو من الماره تاركاً بعض البائعين والتجار القادمين من جميع أنحاء العالم لبيع سلعهم وشراء الحرير الذى تميزت به تلك المدينه العظيمه ذلك الحرير الذى جعل منها مركز للتجاره وبداية طريق الحرير الممتد من جانجان وحتى روما مرورا ببالد العرب ، أضائت المشاعل المتراصه على
األكواخ الخشبيه الطرق التى ال تكاد تسمع بها همساً فقط موسيقي هادئه من

ذلك الخان المجاور لمعبد قديم زين مدخله تنين ذهبي عمالق ال يتناسب مع حجم البوابه التى تظهر ضئيله بجواره ... وبداخل المعبد أرتفعت سحابه من الدخان ملئت فراغ حجره النذور وراحت تغزو أرجاء المكان .... بينما جلس
كاهن عجوز فى سكون وكأنه أحد تلك التماثيل التى تزين أرجاء المعبد مرت

الساعات وهو فى هذه الوضعيه حتى انه لم يشعر بالطفل الصغير الذى دخل إلى مكان جلوسه ، أخذ الطفل يجوب المعبد فى ملل قبل أن يقف أمام
صندوق جده الخشبي تلفت يمينا ويسارا حتى تأكد من من خلو الغرفه ،

وبحذر فتح الصندوق ليجد بداخله لفافه تضاهيه طوالَ فتحها بصعوبه وراح

يثبتها على األرضيه الخشبيه ، ظل لدقائق ينظر لتلك اللوحه الغير مفهومه بالنسبه له ألوانها الباهته ونقوشها الغريبه  وتلك البقع الداكنه على أطرافها

تبدو وكأنها دماء كُتب فى منتصفها بنقوش غريبه وفى زواياها االربع رسمت أربع أحجار ملونه أما المثير فيها ذلك الجسد المرسوم والخوف والفزع قد سيطرا على قسمات وجهه وفى االعلى رسمت عينان حمراوين وكأنهم عيون
الموت .


- ستعلم كل شئ فى أوانه ... نطق الكاهن الجمله لتنتشل الصغير من

ثباته فى فزع ليستدير لجده الذى كان يقف خلفه واضعاَ يده على رأس

الصغير .


- تعال يا صغيرى

امسك العجوز بيد الطفل حامالً معه تلك المخطوطه وطافا المعبد فى سالسه يغلقون األبواب وما إن أنتهوا جلس وأجلس الفتى امامه و فى تبجيل قائل
الصغير :

- مامعنى تلك اللوحه يا جدى؟؟


نظر له العجوز ثم مد يده ليمسك بيد الصغير :

•يا صغيرى أحفظ ماسأقوله لك عن ظهر قلب


أومأ الصغيربرأسه إيجابا ، فبرغم عمره الذى لم يتجاوز السبع سنوات كان  ( نيها ) يحمل عالمات النبوغ والذكاء فمنذ أن تركه والده وذهب للبحث عن

سر الخلود وهو فى رعاية جده الذى علمه من العلوم والمهارات ما لم يتعلمه

فرسان فى سن النضوج .


- تلك اللوحه يعود تاريخها إلى ما قبل التاريخ .... حفظت بدماء

المحاربين الشجعان منذ فجر التاريخ حضارات بأ كملها أبيدت من أجل تلك المخطوطه ولكن بطريقه ما صمدت وحفظت من مصر الي بابل الى بومبى
نقلت بعدها إلى قرطاجه ثم القدس وأخيرا بغداد إلى أن دمرها ذلك الملعون

هوالكو  1258م   وبطريقه ما نقلت إلى هنا (جانجان) و حفظت ... قُتل فى

سبيل حفظها مئات بألالف من المحاربين وقُتل فى سبيل الحفاظ عليها

ماليين البشر .

سكت العجوز لحظات وكأنه يستجمع ما تبقى فى ذاكرته من معلومات

والصغير جالس أمامه والشبق يملئ عيونه فى لهفه لمعرفة المزيد فى حين

أ كمل العجوز :

•تلك االحجار االربع هم عناصر الطبيعه الماء الهواء التراب و النار

أما ذلك الجسد فهو االنسان الذى بدونه التنجح الطقوس .

غمغم الصغير فىتعجب  : الطقوس ؟!

- طقوس الظالم .... فمنذ بداية الخلق واالنسان يبحث عن الخلود

ففى عالمنا يولد البشر أبرياء وتتكفل الحياة بتلويثهم  ...  أستغل (هو)

ضعاف النفوس الباحثين عن الخلود ليحكم عالم البشر بعد تحويلهم لعبيد له سيطر على كثير من قادة بعض الشعوب لخدمته أوهمهم بالخلود مقابل أن
يعيدوه لعالمنا  ... ولكى يعود يجب ان تتجمع االحجار االربع مع دماء نقية

ثم تتلى الطقوس والترانيم ولكن كل المحاوالت فشلت ( أمحتب –

نبوخذنصر –اإلسكندر- جانكيزخان ) وغيرهم فشلوا فى عودته لعدم

حصولهم على االحجار االربع بعضهم حصل على جزء منهم ولم يحالفه

الحظ مع البقيه ولن تتم الطقوس بدون تلك المخطوطه .


أنهى كلماته وهو يشيرللمخطوطه التى بين يدي الصغير الذي اخذ يتأملها فى

تعجب و فضول :


- جدى من هو؟؟


- بل ما هو ...... أنه أسوء كوابيس البشر ظلمه ، أذا ذكر أسمه حامت

أعوانه بالمكان يسممون االفكار يقودونك للجنون .... أعلم يا صغيرى لو

رأيت تلك العيون الحمراء فعليك قالها وساد صمت على المعبد صمت جعل

قلب الصغير يخفق في خوف.

***************************************************
صباح اليوم التالى ( تشيان جان ) يوم مشمس بعث الدفئ فى قلب مدينة الحرير حيث أمتلئت الطرقات
باألطفال والنساء يجوبون االسواق والرجال بين حقول األرز وشاطىء النهر األصفر المتدفق عبر المدينه حامالَ معه البهجه فعلى ضفتيه ترسم الزهور
أعذب اللوحات بألوانها المختلفه وعطرها المنتشر عبر أرجاء المدينه .

تحرك الكاهن العجوز فى خطوات متباطئه داخل سوق المدينه وبجانبه ( نيها )  الذى أخذ عقله يسترجع كل ما قصه عليه جده ليلة أمس

اقتحم جده  أفكاره وهويقول له :

•انتظرنى هنا


لم ينتظر العجوز تساؤل الصغير وأخذ يصعد الدرج الى مبنى صغير يتوسط ساحه السوق ، ألقى نظره على الناس المنهمكه كلٌ  فى عمله وصاح بكل ما
أوتي من قوة قائالً :

...... الناس أيها -

تلفت الجميع لمصدر الصوت وتركزت العيون بإتجاهه ولم تعد تسمع بالسوق

االهمساً......


- أيها الناس إن الشر أت والموت بدء رحلته إلينا ... أدخلوا أحبائكم

إلى المدينه  ..... قبل فوات االوان ....

توقف ليسعل فى قوه ، بينما أخذ الناس يضحكون ويترجم البعض كلماته

للتجار الوافدين للمدينه ...  وبعضهم يقول :

•عجوز خرف ...


أ كمل العجوز صياحه :  اليوم أنطلق الشر ...  دافعواعن تشيان جان .......

حاربوا الشر فى نفوسكم أقتلوا الخوف وال تجعلوه يتمكن من قلوبكم ......



لفت صياح العجوز أنتباه التجار الوافدين فصاروا يتحدثون بينهم عن العجوز

الذى مازال يصرخ فى الناس ، ومن بين هؤالء التجار تقدم ( روبن ) التاجر

البيزنطى النبيل  بإتجاه العجوزفي اهتمام ....  كانت كلمات العجوز تشبه كلمات سمعها من قبل : الشر ...الظالم .... الموت .....النبوءه كلمات حفظها عن ظهر قلب من تلك الفتاه اليونانيه حينما قابلها فى ( القسطنطينيه

) شئ ما بداخله حدثه بصدق كلمات العجوز .... أشار لمساعده قائالً : أنزل

البضاعه فلن نرحل االن.

وقف مساعده ينفر فى ملل وغضب قائال : ال تلقى باالً لكلمات ذلك

المجنون فـ ......

لم ينتظر روبن باقى حديث مساعده  الذى أخذ يلعن العجوز ، قادته قدماه

الى حيث جلس الكاهن العجوز يسعل ويغمغم بكلمات غير مفهومه وإلى

جانبه يقف ( نيها ) وما ان توقف روبن أمام العجوز الذى رفع عيناه ليرى

من الرجل



- اُصدقك ايها الكاهن .


نطقها روبن بالصينيه وهو يتأمل العجوز المتهالك قبل أن يكمل :

-   لقد رأيت جيوش ( تيمور لنك ) تعسكر بحوض تاريم شرق سمرقند هل

هذا ما تتحدث عنه ؟؟

أنهي كلماته وهو يأخذ بيد الكاهن الذى راح يقول :


-  أنهم غافلون ألهتهم الحياه تناسوا من يتربص بهم ..... عجيب أمر البشر

أذا أنذرتهم تضاحكوا وحينما يأتى الموت تباكوا على ما كان يضحكهم ....

قطع حديثه بفاصل من السعال الشديد قبل أن يكمل بعينين واهنتين :

-  لماذا أنت الوحيد الذى أنصت إلى كلماتى وصدقها ....


- لقد سمعت مثلها من قبل .


جائت االجابه مباغته للعجوز الذى توقف وهو يتكأ على عصاه لينظر لروبن

الذى أ كمل :

- منذ سبع سنوات جائت لمدينتنا فتاه من مدن اليونان نزلت في ضيافه

اإلمبراطور وأخذت تردد بعض ما تقول أنت... أتهمها البعض بالجنون

وطردت .


- ماذا قالت ؟؟ سأل العجوز بهدوء.


- تحدثت عن نبوءه ومُخلص ... كانت تبحث عن طفل يحمل عالمات

النبوءه ... تحدثت عن ساحرات يُقتلن فى فرنسا وعن جيوش الظالم التى

قضت على ممالك الشمال حيث الثلوج والشتاء الدائم.... تحدثت عن

سقوط اإلمبراطوريات .

كان العجوز يحرك رأسه فى إنصات لما يقوله روبن الذى جاء سؤاله كما

توقعه العجوز ( هل هذا صحيح  ومن المتحكم فى ذلك؟؟) .....

تحركت يدا الكاهن فى الهواء ملوحاً لروبن وهو يقول :

- سأقص عليك كل شئ ولكن أخبرنى عن بالدكم !!


- ماذا بها ؟؟


- حروبها وما يدور هناك فى الغرب عن ملوكها وأمراءها ... أريد أن أعرف

.شئ كل .... شئ كل

*************************************************

ساعات قضاها (روبن) يقص على الكاهن العجوز كل شئ يعرفه .... عن

الحروب بين العثمانيين والقسطنطينيه ..... عن الحرب بين فرنسا وإنجلترا

عن الطاعون ذلك الموت األسود الذى حصد أرواح ماليين البشر فى أوروبا حروب صليبه مماليك و تتار .... القشتاليون واالندلس ساحرات أوروبا
ومحاكم التفتيش الهرطقه والقتل بأسم األديان ......


وحينما أنتهى روبن من سرد كل ما يعرفه كان العجوز قد أيقن أن الوقت حان

.... حيث كان العالم يغرق فى أظلم حقبه عرفها التاريخ .

الدماء هى السلعه الرئيسيه فى العالم التي تروى ظمئ الشر الكامن فى الظالم منذ أمد بعيد ، منذ فجر التاريخ وعشيرته السريه تحفظ االحجار والمخطوطه

عبر البلدان عبر الزمان ..... ولسوء حظه العاثر أن يحدث ما يحدث االن فى

زمنه هو ... كان يعرف أن ( تيمور لنك ) عثر على حجرين ولن يهدأ له بال حتى يحصل على البقيه .... وعلى تلك المخطوطه التى تحمل الطقوس
السؤال الوحيد الذى دار بعقله ....

هل يعلم تيمور لنك بمكان المخطوطه ؟؟


هل جيشه الذى يربض بحوض تاريم ... قادم ألجل المخطوطه أسئله كثيره

دارت بعقله وهو جالس فى معبده وبجانبه روبن والصغير نيها ....

أسئله ال إجابه لها .........




**********************************************************

•روح الظالم




جلست أثينا تحمل بين يديها هاشم ذلك الرضيع ذو االربعة أيام التى لو

صدقت توقعاتها فسيكون هو من تبحث عنه ومن تحدثت عنه النبوءه

( سيكون صاحب الطائر هو األخير فى مملكه أخيره وهو من سيقضى عليه ،

سيوحد االمم و .. يهشم الرؤوس يحمله صقر يولد مع إسطفاف النجوم فى

ليله غاب قمرها .... يخرج من الرحم االحمر .)

كلمات مبهمه من نبوءه كاد أن يمحوها الزمان لوال وجود عشيرة النور التى

حفظت تلك النبوءه عبر االزمنه خبئت المخطوطه واالحجار بعيداً عن أيدى

عبيد الظالم ....

كانت تعلم أن الشر أقوى هذه المره فقد حصل تيمور لنك على حجرين من

أحجار العناصر االربعه ، و مازال هناك أثنين مازالت مخطوطة الطقوس بعيداً

عنه ، لقد روت إلى الملك كل شئ وفسرت له رؤياه وها هو يصدقها ويعهد

إليها برعايه صغيره .
******************************************************** صحراء فوق النيران من كألسنه أشعتها لترسل الصافيه السماء الشمس أحتلت

تاريم حيث يخيم جيش تيمور لنك  ذلك الجيش الذي قذف الرعب فى

قلوب ملوك وأمراء العالم  ، داخل المخيم عم الهدوء في صفوف الجنود الذين لم يبالوا بشدة الحراره  فوقفوا وكأنهم نُحتوا من الصخر أو برزوا من بين الرمال الحارقه ، جنود ال يعرفون الرحمه وال الشفقه أبادو مدن بأ كملها
من أجل الخلود الذى وعدهم به ملكهم .

داخل خيمه عظيمه ذهبيه  وقف رجل يحمل صندوق خشبي قديم زين ببعض الحلي الفضيه كانت مالمح الرجل تؤكد أنه تعدى الستون عاماً مع ذلك الشيب الذى مأل شعره وشاربه الكث يغطى فمه تماماً وعيناه  الجاحظة تنظر
للصندوقالذي بين يديه ، وضعه أمامه  لتتعالي على شفتيه بسمه زهو وظفر

وهو يفتح الصندوق وما أن إستقرت عيناه على الجوهرتين بداخله حتى تنهد

فى أرتياح :


- قريباً سأحصل على أخوتكم .....


أتاه صوت هادئ يبعث فى القلب قشعريره :

-  ال تنسى الطقوس والمخطوطه تلفت ( تيمور لنك ) إلى الركن المظلم

والذى يجلس به صاحب الصوت الهادئ .

-  طريقنا إلى جانجان خالى والمخطوطه حُسم أمرها.


...... ال -

نطقها صاحب الصوت الهادئ فى حده .... قبل أن يكمل :

- عليك أنت بالحصول على باقى االحجار وأترك لى أمر المخطوطه .


- كيف ؟؟  ألقاها تيمور وهو يغلق الصندوق في عنف ...

- حجر الماء بحوزة ( بايزيد الصاعقه ) سلطان بنى عثمان هذه مهمتك يا

تيمور أحصل على الحجر الثالث وأقضى على كل شئ حى بالغرب ... "

فالخلود بإنتظارك أيها االمبراطور."

دغدغت الكلمات  عقل تيمور وكان لها أثر بالغ ظهر بعيونه التى برقت فى

شهوه وساديه بينما جلس صاحب الصوت يتمتم بكلمات غير مفهومه وصوته

يعلو شئ فشئ وتيمور ينظر له وكأنما سُلب عقله ومازال الرجل يتلو طقوسه حتى تعالت صيحات الجنود فى الخارج صياح زلزل األرض صياح ينتزع القلوب من الصدور .... دقائق من الصراخ واآللم ساد بعدها صمت ال يقطعه
سوى صوت الرياح أما الجنود فكانو على وضعهم السابق هادئين ثابتين

.... ولكن

عيونهم كانت تحمل شئ غامض ... تحمل جحيم مستعر وكأنها جمرات

ملتهبه من أصل الجحيم.....

طالت أنيابهم وبرزت بعض العظام من أجسادهم .... أصبحوا أ كثر رعباً أ كثر

دمويه .

فقد أستحوذت عليهم روح الظالم .


*************************************************************

استيقظ سكان "تشيان جان" على قرع الطبول وأبواق النفير التي تخللها صيحات أشبه بزمجره قطيع من الذئاب يحيط فريسته العاجزه ، بدء الناس فى الخروج لتبين ما يحدث تقدمهم روبن فى فضول إلى البوابات التى كان
الجنود يغلقونها بأحكام بينما أخذت الفرق العسكريه فى اعتالء االسوار

مشهد روع الجميع أوقف روبن أحد  :

- الجنود المسرعين ماذا يحدث ؟؟


جاوبه الجندى دون أن يتوقف :

- جيش تيمور لنك  يهاجم المدينه .....



أتسعت عينا  روبن ولم يترك نفسه لهول المفاجأه فقد أسرع الى السلم

المؤدى الى اعلى البوابه اخذ يصعد الدرجات فى قفزات سريعه متالحقه

حتى ثبتت قدماه وكأنها أوتاد تم غرسها باالرض فقد كان ما يراه أخر شئ

يتوقعه او يتمناه ..

حاله من السكون سادت تشيان جان ال يقطعها سوى سوى صوت نحيب االطفال اٌخلت الشوارع واالسواق ، بينما حمل الرجال وكل من يستطيع
حمل السالح سيوفهم وحرابهم  ... أ كتظت االسوار بالرماه وخلف البوابتين

تمركز الفرسان بخيولهم ، تعالت أصوات الطبول بين صفوف الجيش الغازى

الذى راح جنوده يهمهون ويضربون االرض بأرجلهم ليفسحوا الطريق لذلك القادم من بينهم ، ما أن وقعت عليه عيون جنود القلعه حتى اتسعت فى وجوم
وذهول فأمامهم كان يتحرك تنين ذو رأسين يتقدم صفوف الغزاه تنين يحمل

فوقه رجل لم يتبين الجنود وجهه لبُعد المسافه ، راح التنين يشق الصفوف ورأسيه كل منهما بإتجاه تطلق فحيحا يشبه فحيح أفعى غاضبه و ما أن أصبح
أمام الجنود توقف وتوقفت الصياح سرعان ما تعالى مره أخري  حين رفع

راكبه قبضته فى الهواء ، وبدأ الرجل ممتطى التنين فى الحديث بصوت هادر

مرعب :

-  المجد والخلود خلف هذه االسوار  ...  سنحكم العالم من هنا سنحيا

حتى أبد الدهر .... كانت كلماته موجهه إلى جنوده الصامتين بعيونهم الحمراء المشعه والتي
راحت تزداد بريقاً كلما تحدث .....


وعلى االسوار تحفزت أصابع الرماه فى توتر مع سماعهم لتلك الكلمات وحملت الوجوه اليأس والخوف ، حينما أستدار التنين وراح يخطو بخطوات بطيئه بإتجاه القلعه  ..... جحظت العيون التى راحت ترصد ذلك الشئ الذى
يدنو منهم وصوت الفحيح يعلو شئ فشئ لينتز ع روبن من ذهوله ليركض

وسط الجنود مناديا بصوت مرتفع وكأنه أحد سكان المدينه :

- أثبتوا والتجعلو للخوف طريق إلى قلوبكم

قالها بالصينيه وهو ينطلق لينزل درجات السلم فى قفزات سريعه وصوت من داخله يردد (( عليك بإنقاذ المخطوطه...... )) أخذ يركض عبر طرقات
المدينه ومن خلفه صوت صاحب التنين يدوى بين صمت الجدران  :

- جانجان أيتها العظيمه أفتحى البوابات فى سالم أعدكم بالسالم والخلود

.... ليس عليكم سوي طاعتي ..

راح روبن يلهث وهو يسرع إلى المعبد الذى الح باالفق ومازال الصوت

الهادر يطارده  :

- إن لم تفتح االبواب ستنتهى رحلتكم فى الحياه على أيدى جنود جيشى

العظيم  ....

وأخيرا باب المعبد ما أن عبر روبن بوابة المعبد حتى استند الى الجدار وهو

يلهث تغلب على أالم رئتيه وهو ينادى  : نـ....ـيها....، نـ ....ـيها .

تقدم فى حذر إلى الداخل وعقله يسأل فى تتابع أين هم أين هم؟؟


- سيدى جدى بإنتظارك ....  أفزع الصغير بظهوره المفاجيء روبن

الذى انتفض فى خوف لم يذق طمعه من قبل .... تمالك اعصابه وهو ينظر للفتى المبتسم الذى تركه ليدخل غرفه أضيئت بشموع كثيره يجلس وسطها

العجوز ، ظل عقل  (روبن) يطرح أسئلته السخيفه (( هل يعلم بما يحدث

؟؟ هل سمع صوت الغزاه ؟؟ ))


- نيها أحضر التمثال الذهبى من غرفتى  ...


نطقها العجوز فى هدوء اليتناسب مع الوضع الذى مازال الصوت القادم من

خارج المدينه  يهدر:

-  أمامكم فرصه وحيده إما اإلستسالم أو المووت ....

أعقبت الكلمات صيحات عاليه من الجيش المُحاصر للمدينه أصوات أذنت

بقدوم الموت الذى راح يحلق فوق أسوار تشيان جان ....


*************************************************

أمسك الكاهن التمثال الذهبى يقلبه بين يديه لحظات رفع بعدها عينيه إلى

روبن وهو يلقى التمثال بإتجاهه قائال :

- إكسره .


تلقف روبن التمثال وفعل كما أمره العجوز دون أن يفارق عقله سؤال أخر

مُلح  :  لماذا ؟!

جائت االجابه حينما ارتطم التمثال بالجدار ليسقط منه قالده تحمل حجر أزرق براق ولفافه حريريه  لفت بعنايه بخيط سميك ، بُهت روبن وهو ينظر لما تحمله يديه بينما صوت الظالم يستمر فى حديثه الموجه لسكان تشيان
. )) للغروب أمامكم (( .... جان


وقف روبن أمام العجوز الهادئ مُغمض العين ، كان عقل روبن يحثه على الخروج من المدينه  بأي طريقه تاركاً ذلك الخرف وحفيده  ولكن شىء أخر كان يحثه على البقاء بل وان وصل األمر الى القتال ، تعجب من هدوء
العجوز فالوقت يمر وذلك الكاهن ال يعبأ بشئ وال يتكلم حتى عن شئ ،

وأخيرا نطق العجوز :

-  إن تلك القالده من المفترض أن يحملها إبنى  (( شين مو )) واالن وقد

رحل لم يعد هناك من أئتمنه عليها سواك .


- أنا ؟؟


- نعم يا بني ... أنت فقد عهدت إليك االن بحفظ القالده والمخطوطه  ...

وحفيدى نيها .


أدار روبن وجهه للصغير وهو يقول : ولكن ....

-  روبن أنت االمل االن وقد يكون نيها من تحدثت عنه النبوءه  ..... يا بُنى

إنقل المخطوطه والحجر إلى حيث تعيش وكن جزء من عشيره النور .

أنهى العجوز كلماته وهو يعطى روبن قالده ذهبيه تحمل نقش لتنين له رأس

أرنب وجناحى نسر ، رأى العجوز السؤال على شفتى روبن :


-  أنه شعار عشيرتنا ... (( عشيرة النور  )) حماة العالم .


أنتشل صوت االقدام التى دخت إلى المعبد  (( روبن )) من جموده ليلتفت لمعرفة من القادم ، ساحباً سيفه البيزنطى ليواجه القادم و  .....  أنتفض فى
فزع عندما وضع العجوز يده على كتفه قائال  :



- ال تخف أنهم أصدقاء .



كان يقف بمدخل القاعه ثالث من الشباب يرتدون زى يختلف عن باقى جنود  (تشيان جان ) زى أشتهر به محاربون ليسوا من تلك األراضي بل أبعد
من ذلك ، أنهم وبرغم عيونهم الضيقه ومالمحهم االسيويه فهم  ( ساموراى )

يحملون على صدورهم العالمه ذاتها التى نقشت على قالدة العجوز  .

لم يطل األمر فقد عبر روبن  ممسكاً بيد الصغير نيها ممرات ضيقه  اسفل

المدينه  يتقدمه الساموراى الثالثه يحملون مشاعل بددت ظلمه ذلك الجحر

الذي يشبه جحور احد القوارض .


أخذ روبن فى استرجاع كل ما  مر به منذ الفتاه االغريقيه وحتى تلك اللحظه

كيف أتى به القدر إلى هنا وهو مجرد تاجر ذو نفوذ ببالده  .... لم يكن يخطر يوماً بباله أن يتحمل مسئولية حماية البشر و العالم ، عواصف من
االفكار أعتصرت جزيئات عقله ((.... ذلك النفق ال نهاية له ؟؟ اللعنه على

تيمور لنك وجيشه )) .. كلمات رددها فى داخله  ... وأهتزت جدران النفق

لتوقظه من كوابيس الواقع ،راحت تتساقط أجزاء من النفق خلفهم أذنه لهم

ببدء الركوض من أجل البقاء على قيد الحياه . فوق السطح كان الهجوم قد بدء حيث أندفعت الجنود بأتجاه اسوار تشيان
جان التى أبت االستسالم لجيش الظالم تقدم الغزاه يحملون الساللم الخشبيه

وعربات ضخمه يدفعونها لتحطيم البوابه العمالقه، فى تلك اللحظات كان يقف بين الجنود الكاهن العجوز مرتديا زي المحاربين زي قد أهترئت بعض أجزائه  قابضاً على قوسه متأمالٌ تلك المخلوقات التى جائت لتحصد األرواح
، وما ان اقترب الغزاه حتى اضائت السماء بالسهام المشتعله التى راحت

تحصد منهم الكثير والكثير دون أن يؤثر ذلك فى قلوب قد ماتت بالفعل منذ

فتره ، معركه شرسه بدأت حينما فتحت االبواب لينطلق فرسان تشيان جان

يطلقون صيحات عاليه سمعها روبن ومن معه داخل النفق السرمدى .


قليلون هم فرسان تشيان جان أمام جيش الغزاه جيش برز من الجحيم خرج

من رمال صحراء "تكال مكان" ، ذلك الجيش الذي استدعاه الساحر (

يورشى ) ليخدم تيمور لنك القائد هو هكذا كان يظن ذلك األخير .

لم يكن سوى بيدق بأيدى المشعوذ...... يسيطر على عقله بحلم حكم العالم

والسيطره عليه ....


حتى جنود المغول التابعين لتيمور أصبحوا مجرد عرائس تحت سلطة راكب

التنين ، تحرك يورشى بتنينه  االصفر مقاتالً محاربي تشيان جان فى معركه حامية الوطيس أشتدت مع اطالق قذائف المنجنيق التى بدأت فى التساقط
داخل المدينه ...

ولتبدأ النيران فى االشتعال  ....

نيران بدت وكأنها لن تخمد بعد األن .



******************************************************************

خرج روبن ورفاقه من النفق مع نوبه من السعال بفضل ما خلفه انهيار اجزاء من ذلك الجحر الكئيب ليجد أمامه أربعة خيول فى إنتظارهم وكأنهم اعدوا
مسبقاً.


- سيدى ما ان نعبر نهر هوانج سنكون بأمان ... كان هذا أراكيس أحد

محاربى الساموراى الثالثه والذي يبدو أنه أ كبرهم أو على األرجح قائدهم

أومأ روبن برأسه وهو يتجه ألحد الخيول ، أمتطى الجميع خيولهم وأنطلقوا إلى رحلتهم الطويله إلى القسطنطينيه رحله قد تستغرق شهور رحله تحمل فى
طياتها مجهول مظلم ... كان اخر من أنطلق هو الصغير نيها الذي ظل يرمق

المدينه بنظره تحمل الحزن واأللم فبرغم حداثه سنه إال انه كان يعرف ان قدمه لن تطأ تلك األرض مجدداً او هكذا ظن استفاق على صوت أراكيس الذي حثه على اإلنطالق واللحاق بهم ومن خلفهم تصاعدت أعمدة الدخان
وصوت صرخات بدأت تتالشى مع ابتعادهم اكثر فأ كثر .


عبر الجميع نهر هوانج بعد ساعه من اإلنطالق دون راحه ومازالت أصوات المنجنيق تأتى من بعيد يحملها صدى الصوت بين الجبال الشاهقه ، توقف أراكيس ورفيقيه قبل أن يستدير ويعود إلى روبن ونيها فى حين أ كمل رفيقاه
المسير بإتجاه الغابه المظلمه .

- أين ذهبوا ؟؟

سَأله روبن وهو يتابع محاربى الساموراى الذى إبتلعهم ظالم الغابه بداخله .

أوقف  أراكيس  فرسه وهو يقول :

- يؤمنون الطريق فسوف نبيت هنا الليله.


- هنا ؟؟


لم يجب أراكيس الذى ترجل وراح  يساعد نيها لينزله عن فرسه ، فيما زاد

من غضب روبن الذى ترجل هو االخر عن فرسه وأخذ يتلفت حوله لينظر أن

كان هناك من يتبعهم ... القلق تمكن منه والخوف من المجهول سيطر عليه أصبح روبن تاجراَ يستعد للرحيل من تشيان جان بحمولته وأمسي هارباَ من
المجهول ...


- نيها أجمع بعض الحطب ...

قالها أراكيس وهو يربط الخيول يأحد االشجار ،بينما تجول الصغير يجمع

االخشاب فى حين ذهب روبن إلى شاطئ النهر وراح يبلل شعره االشقر ويغسل وجهه بالمياه البارده ... دقائق وكان الجميع أمام النيران يتبادلون
أطراف الحديث بينما أستسلم نيها للنوم .

- عند الفجر سنتجه إلى دونهانج ..

قالها أراكيس وهو يدثر الصغير بغطاء  صنع من الفرو ..


نظر له روبن محاوالً كسر ذلك الحاجز الزجاجي بينهم قائالً :

- يبدو إنك تحفظ الطريق .


-  يا سيدى إن طريق الحرير .... هو مصدر رزقنا نحمى القوافل المحمله

بالحرير عبر أسيا إلى أوروبا وبالد العرب منذ سنين .


- متى إلتحقت بعشيرة النور  ؟؟


تبسم أراكيس  مستعيداٌ مزيج من الذكريات ترجمها لسانه فى كلمات تحمل زهو ((  والدى كان جزء من العشيره كان يَعدُنى ألصبح ...... )) بتر أراكيس كلماته وهو يدقق النظر فى ظلمة الغابه مما لفت إنتباه روبن وزمالئه
، الذي سرت قشعريره بجسده  للمره المليون هذا اليوم :


- ماذا هناك ؟؟؟!!


أشار له أراكيس أن أصمت وهو يسحب حربته ويتحرك فى خفه نحو االشجار

وقبل أن يقترب منها  قفز شئ ما بإتجاهه تفاداه بصعوبه بالغه ليسقط أرضا ، وعلى وهج النيران رأى الجميع ذلك الشئ الذى يقف في وسطهم ويصدر

زمجره مخيفه .... لحظات سكون سادت المكان وكأن الزمن توقف فجأه ،

فقد كان امامهم يقف نمر ضخم بحجم فرس ضخم يحمل على ظهره فتاه نقش جسدها بذات الخطوط على جسد حيوانها أنيابها بارزه فى شراسه لم
يروها من قبل وأكتست عيونها بالسواد التام ظلمه قاتمه تحمل الموت .


عاد الزمن مره أخرى على صوت ذلك السوط المشتعل التى راحت تضرب به

الهواء فى قوه وبيدها االخرى راحت تشد لجام نمرها الضخم ليتقدم بإتجاه روبن الذى استل سيفه ودرعه البيزنطى وأنقض دون خوف بإتجاهها فقد
كان يعرف أن الهجوم أفضل الطرق للنجاه .


هاجم الجميع الفتاه النمريه التى بادلتهم هى االخرى الهجوم لتسقط أحد

الفرسان أرضاً ليتكفل حيوانها الضخم بإنهاء حياته ، وبين قفزات أراكيس وطعنات روبن تراجعت للخلف قليالً قبل أن تضرب بسوطها النارى االرض
في ضربات سريعه متتاليه  ، ساعد أراكيس زميله الجريح ليقف مره أخرى ،

بينما راحت تهتز االرض ويبرز منها ثالث نمور مشتعلين وكأنهم خرجوا توهم

من الجحيم كانت ضرباتها المتتاليه على األرض السبب فى والده تلك النمور

من العدم .

تحركت النمور المشتعله وراحت تحوم حول روبن ورفيقيه المغطيين بالجروح

والدماءقال أحدهم : - يبدو إننا سنموت شوياً....


قاطعه روبن :

- بل هى من ستموت ...

أنهى كلماته بصيحه أنطلق بعدها بإتجاه أحد النمور الذى قفز بدوره مواجهاَ

روبن الذي انزلق  متفادياَ مخالبه الناريه لينهال بعدها روبن بطعنات أستعر منها سيفه القصير وكأنه بين يدي حداد يعيد تصنيعه ، كان أراكيس فى تلك
اللحظات يغرس رمحه بقلب النمر الثانى وعيناه على (( نيها )) الذى قد

أستيقظ بفضل الجلبه التى احدثتها المعركه كان يقف على مقربه منهم ويداه

تتوهج باللون االبيض .....

تجمد روبن فاغرا فاه  فى ذهول محاوالَ تصديق ما رأه ، فقد تحول النمرين إلي تمثالين من الثلج بفضل كرات ثلجيه ألقاها نيها من بين يديه أخرجها من
العدم ليسقط بها الوحشين ويتحطما متناثرين ، أثار ما حدث غضب صاحبة

النمر الضخم فراحت تضرب بسوطها يميناً ويساراً وتلقى أراكيس أحدى الضربات فى كتفه ليسقط أرضاً وسقط االخر صريعاً ، فى قمة نشوتها لم تلحظ روبن الذى لم يدم ذهوله وهو يقفز خلفها ليجلس على ظهر النمر
محتضناً إياها ويغرس سيفه بجانبها  بينما راح النمر ينتفض ويزمجر محاوالً

إسقاط روبن الذى سقط بالفعل ومعه الفتاه التى أخرجت سيف روبن من جانبها وكأن لم يحدث شئ ، أستدار النمر ليواجه روبن الملقى أرضاً وراح
يدنو منه وما أن فتح فمه بارزاً أنيابه  مستعداَ للفتك به ولكن ما حدث غير

ذلك اطلق النمر صرخه ألم وراح يخور ويزأر يسقط ويحاول النهوض حتى سقط ورمح أراكيس يستقر فى ظهره .... رأت الفتاه حيوانها األليف يسقط فأطلقت صرخه مدويه لم تكتمل فقد عاجلها روبن بسيفه ليقطع راسها فيعم
السكون ....


رددت الجبال صرختها التى سُمعت في تشيان جان برغم بعد المسافه إال أنها

أخترقت ضجيج المعركه المميته وما أن سمعها ((( يورشى )) حتى أمر جيشه باالنسحاب فقد بات يعرف أن من قتل طفلته يحمل ما يريده وما يطلبه فال داعي ألن يحرق ما تبقي من المدينه التى احترقت بالفعل وصارت
شوارعها أنهار من الدماء والقتلي .... نظر الجنود لمشهد أنسحاب الغزاه فى

استغراب فراحوا يساعد بعضهم البعض فى النهوض وابتسامه نصر زائفه

تحملها وجوههم المطلخه بالدماء بينما ينسحب جيش الظالم إلي الظالم ....

*****************************************************



1417 – غرناطه


عامان منذ سقوط " سبته" بيد القشتاليين معلنه بدء الحرب مره أخري  مما

جعل الوجوه عابسه لم يكسر ذلك سوي ذلك الهرج الذي عم سوق غرناطه بفضل الصخب الذى يحدثه جنود الملك وهم يطاردون شخصين يتقافزون في مهاره  من مبنى آلخر ويتخطون العربات والماره فى براعه القرود فوق
االشجار ، ووسط هذا تتعالى بعض السُباب لما تخلفه تلك المطارده من

خسائر ، وتتعالي ضحكات اخرين مع تعثر الجنود وتساقطهم بعد محاوالت فاشله للحاق بالشابين الذي اعتلي احدهم أحد االسوار العاليه أخذاَ بيد رفيقه
قبل أن يقفز خلف السور بينما أستدار االخر وهو يزيل اللثام عن وجهه ملوحاً

للجنود بيده مبتسماً وما لبث أن لحق بزميله خلف السور العمالق .

تحت إحدى االشجار العتيقه أفترش العشب أحد الشابين بينما أخذ الثانى بالسباحه فى مياه البحيره لحظات من السباحه خرج بعدها ذلك الشاب
وجسده يقطر ماءً شعره االسود الفاحم زاده وسامه مع تبلله بالمياه  كان شاب

فى ريعان شبابه عيون واثقه يعلوهم حاجبين كاحلين و وجه يميل للطول يحمل جسده الممشوق اثار جرح يحتل صدره العاري ، وقف لحظات
يخلخل شعره بأصابعه ويمسح بعدها المياه عن لحيته التى تكاد تنمو :

- أحمد ألن تسبح ؟؟

كان يوجه حديثه ذلك النائم الذى غمغم :

-ال أتركنى أنم قليال ً .... ثم أننا يجب أن نذهب للمبارزه .


قال االخر وهو يرتدى ثيابه :

-  سأهزمك مره أخرى ... وأنفجر ضاحكاً ...

أعتدل (( أحمد )) وهو يعقد حاجبيه :

- هاشم أنت مخادع .


أرتفعت ضحكات (( هاشم )) أ كثر وهو يستطرد :

- بل أنا أمهر منك .... أعترف بذلك أيها الكسول .


- أتعرف يا هاشم بعض االوقات يملئ قلبى الغيره منك ألهتمام أمى بك ...

فانت تحظي بكل شىء حتى تلك الفتاه فى البيازين ...


- أحمد إن ( أثينا ) والدتى وأنت أخى وهذا ال يمنع إنى أمهر منك ....

وأوسم منك


تعالت ضحكات الشابين مره أخرى ، طوال الطريق إلى قصر الحمراء تبادل

االثنان الحديث عن طموحاتهم و مستقبل بالدهم . كان أحد الشابين هو (( هاشم األول بن محمد السابع )) ولى عهد غرناطه
فمنذ وفاة والديه عام1407م على أيدى أحد جواسيس القشتاليين  وهو فى

رعاية أثينا التى تزوجت من (( أبو الحجاج يوسف الثانى )) عمه والوصى

على العرش الغرناطى ، علمته أثينا بجانب ولدها أحمد جميع فنون القتال والعلوم وها هم بعد أثنان و عشرون عاماَ شابين قويين أمراء غرناطه وأملها فى مستقبل يصارع البقاء وسط حصار اعداء مخبولين تملئ قلوبهم الحقد
لكل ما هو عربي على تلك األراضي ..


لم تغير السنين شىء من جمالها بل زادتها وقاراَ عذباَ يتناسب مع جمالها

االخاذ أنها ( أثينا ) التى كان الغضب هو من يتحكم بها فى تلك اللحظات راحت تجوب زوايا القصر وحديقته الغناء فى صمت يحمل عصبيه مفرطه كان ضحيتها حراسها ،  تسألهم  بين الحين واالخر عن ولديها ويزداد غضبها
عندما يخبرها الجنود بما حدث  بالسوق .....


وقفت (( أثينا )) بشرفتها المطله على " بهو األسود " اشهرأجنحه القصر واسطوره الجمال األندلسي وهو بهو مستطيل الشكل تحيط به من الجهات
األربع أروقة  ذات عقود يحملها /124/ عموداً من الرخام األبيض صغيرة

الحجم وعليها أربع قباب مضلّعة ، في وسط البهو (نافورة األسود) ، على

حوضها المرمري المستدير اثنا عشر أسداً من الرخام، تخرج المياه من أفواهها في تناسق بديع ، لم تمل من انتظارهاشم وأحمد وعقلها يسترجع ما حدث خالل اثنان وعشرون عاماً .... أعوام مرت كالبرق .... تتذكر قدومها إلى

غرناطه وكأنه باالمس عندما عهد إليها (( محمد السابع )) برعاية أبنه هاشم

تذكر االنباء التى حملتها قوافل الشرق و رسائله عن حصول تيمور لنك على الحجر الثالث وقتله ل (( بايزيد الصاعقه )) تمنت يومها ان تكون
المخطوطه بأمان وفي حوزه من يستحقها هى والحجر الرابع ....

ومع مرور السنوات أنقطعت االخبار من الشرق أما أوروبا فقد تشرذم سكانها

وما بقى منهم سكن الكهوف والجبال ... تحدثت األخبار الوارده من شمال

أوروبا عن دمار أمبراطوريات على أيدى جيوش من المخلوقات العجيبه ،

اخر األخبار تحكي عن خراب روما وصمود القسطنطينيه ،اما هى تقف

شامخه فى إنتظار ما عاشت من أجله وما دُربت عليه لتصبح أحد أفراد عشيرة النور ، سنوات وهي االن ملكه غرناطه وزوجة الوصى على العرش ( يوسف
....) الثالث


- موالتى لقد وصل االميران


أنتشلتها كلمات جاريتها من صندوق الذكريات لم تدرى كم من الوقت مر

على وقوفها امام شرفتها ، رفعت عينها للسماء لتنظر لقرص الشمس االحمر

الذي أعلن عن قرب الغروب دون أن تلتفت سألت خادمتها : أين هم االن

؟؟

- االمير هاشم بغرفته واالمير أحمد بقاعة الطعام .


- أخبريهم بأنى أنتظرهم بساحة القصر ....

قالتها وصوتها يحمل تجهم ورصانه خرجت الخادمه مسرعه إلى وجهتها ،

بينما وقفت أثينا تتأمل قالدتها الذهبيه .... قالده حملت شعار لم يكن له

..... مثيل

عشيره أندثرت ولم يتبقي منها سوي تلك القالده ...

عشيره النور .

************************************

القسطنطينيه


أهم مدن العالم  منذ بنائها عام330م على يد االمبراطور البيزنطى قسطنطين

االول لها موقع فريد على البسفور فهى بوابة اوروبا على اسيا قيل عنها  ( لو كانت الدنيا ممكله واحده لكانت القسطنطينيه أصلح المدن لتكون عاصمه
. ) لها

أنتهي صراعها األزلى بينها وبين العثمانيين األتراك هدأ أخيرا بعد مقتل  (

بايزيد الصاعقه ) على ايدى تيمور لنك لتتشرذم المملكه العثمانيه  .... ما

هى اال سنوات حتى برز نجم روبن الذى دحر "تيمور لنك" بأحدى المعارك ليصبح بعدها حاكم القسطنطينيه و مؤسساً عشيرة النور من جديد تحت اسم " النوفا " استطاع تأمين طريق الحرير من قضبه جيش الظالم بقيادة " يورشى " ذاك الساحر الذى سيطر على اسيا عدا بعض المدن الحصينه وابيدت اوروبا  على ايدى مخلوقاته االسطوريه التى استحضرها بفضل سحره االسود لجأ ماتبقى من سكان اوروبا الى القسطنطينيه فال يوجد شئ يوقف يورشى عن
حصوله على الحجر الرابع والمخطوطه ... ال يفصله عن حلمه بالحصول على

تلك المخطوطه سوي أسوار القسطنطينيه التى قهرته مرات عديده .

بميناء المدينه أنشغل البحاره بتحميل البضائع والخيل والجمال إلى سفينه عمالقه بينما وقف بعض الفرسان يتابعون سير العمل وبينهم كان يقف
قائدهم الذى اختلف عنهم شكالً وموضوعا  فقد كان يرتدى زى يحمل ألوان

ونقوش زاهيه يتوسط صدره تنين ذهبي اما شعره االسود المنسدل على كتفيه عقد بشاره على جبينه تحمل كلمات صينيه ، يقف عاقدا ساعديه امام صدره
يتابع بعيونه الضيقه الحمالين  والعمال لم  يكن ذلك القائد سوى  (( نيها ))

االبن االصغر  (( لروبن )) كما يشاع بالمدينه وقائد كتائب النوفا.


-  سيدى ينتظرنا  على الجانب الشرقى بقية الفرسان وهم على أهبه

األستعداد .

أبتسم نيها الى محدثه دون أن ينطق بكلمه فها هو سيعود إلى  ( تشيان جان ) بعد سنين طويله من الغياب .... الشوق يملئه لعوده لوطن يحتضر ، سيسلك
طريق الحرير طريق الهالك والرعب طريق سيطرت عليه شياطين يورشى ....

طريق الموت فيه أرحم مما ستراه .
********************************************************* هاشم بين  االروع هى مبارزه فى السيوف تعانق من صغيره شرارات تطايرت

و أحمد حيث أرتدى كل منهم زيه  الحربى بجانب دروعهم المستديره التى

راحت تأن تحت وطأه الهجوم المتبادل بينهم ، كانت أثينا تقف بقربهما تتابع المبارزه الحامية الوطيس ، فى تلك اللحظات كان أحمد يتفادى ضربه من
هاشم الذى اتخذ من الهجوم أسلوب له والذى تبسم قائال  :

- ألم أخبرك أنى امهر منك .


تلقى هاشم ضربه قويه من أحمد أطاحت بدرعه أعقبه اأحمد بركله فى وجه

هاشم لتسقطه أرضاً .......


-  الغرور وكثرة الكالم ليسا من سمة الفرسان ...

ألقاها أحمد وهو يقفز بإتجاه هاشم الملقى أرضا والذى استند بيديه إلى االرض ليقفز بعدها واقفا فى اللحظه التى كان صوت  أزيز السيف يعبر

بجانب أذنه اليسرى .... كادت تلك الضربه أن تقسم رأس هاشم إلى نصفين

ولكنه االسرع واألذكى فمع مرور السيف بجانب رأسه أستغل هو إختالل توازن أحمد ليعالجه بركبته ليتلقى االخير زلزال من االلم ببطنه ، وقف هاشم يلوح بسيفه بالهواء وهو يأخذ وضع االستعداد وأحمد يتمالك االلم ليقف مره
أخرى ، وعلى ضوء المشاعل كانت أثينا تتابع بنهم تلك المبارزه وقلبها يخفق

مع كل اقتراب للنصل من احدهما ..... فالنزال مستمر ولم يتوقف يكشف

عن براعتهم التي ليس لها مثيل بين أقرانهم .

ألقى أحمد درعه قبل أن يتبعه بالسيف تعجب هاشم مما فعله أحمد الذى قفز

للخلف وأخذ يدور فى حركات بهلوانيه إلى أن أستقر بجانب أحد الحراس

لينتزع منه رمحه ويتقدم مره أخرى بإتجاه هاشم الذى عرف أن أحمد سيكون أشرس هذه المره بفضل سالحه المفضل ، جوله جديده بدأت مع سيل من الضربات بين الشابين قطعها صوت صدح في القاعه .... ليشتت تركيزهما
ويتوقفا عن القتال كان ذلك الصوت هو غقغقه صقر هاشم ذلك الصقر الذي

تولي تربيته منذ نعومه مخالبه ... كانت نظرات أثينا تحمل عدم الرضا

لتوقفهما عن النزال .......

جلس هاشم وأحمد بين يدى والدتهما التى تحمل الصقر الذي اخذ بدوره

يدور برأسه يمرقهم فى صمت ، مرت دقائق تسلل الملل الى الشابين وبدأت

تظهر على وجوههم تساؤالت عديده ، وهذا ما كانت ترمى إليه اثينا التى

بدأت بالحديث :


- بوسط المعارك يجب أن تكون فى قمة تركيزك والتركيز ليس على المعركه

فحسب بل على كل ما يحيط بكم فأقل خطأ تنتهى به حياتكم  ......




سكتت لحظات أ كملت بعدها :

- يجب أن تكون عقولكم صافية الذهن  ... لقد تماديتم بالغرور والزهو

وحتى الكالم  ...  دون أن تشعروا بتواجدى وأنا أراقبكم أرتفعت نبرة صوتها وهى تقول  (( طوال سنوات أعدكم إلى ما هو قادم  ... علمتكم كل شئ
حتى ال يخيب املي بكما ... أحفظوا كلماتى هذه جيدا  .... عدوكم قادم

فال تثقوا بمخلوق وإياكم والضعف والخوف فقد يجد سبيله إليكم عن طريقهم ... الضعف والخوف ... فقد يشتد الظالم من حولكم ولكن تذكروا أن الفجر يأتى بعد الظالم ، إياكم وفقدان االمل  ...إياكم والخيانه .... فأنتم
أمل البشر وليس االندلس فقط  .


أنتهت المحاضره التى ألقتها عليهم من قبل مرارا  وتكراراً ، رفع هاشم يده

ليطلب االذن بالحديث وما ان رأى إيماءة أثينا بالموافقه قال  :

-  موالتى طوال سنوات تحدثينا عن الشر وجيوشه وذلك الشئ الذى سيخرج

...و

قاطعته  :

- هاشم لقد علمتكم بما فيه الكفايه وطوال سنوات كنت أخبركم بما يأتى

من أخبار بالشرق ....


- موالتى


-  هاشم التقاطعنى ،أتعرف من قتل والدك؟؟


-  اإلسبان ، أحد جواسيسهم .


... هو بل ال  -


- من هو؟؟


- قالت باليونانيه ..... ((ديابلوس))


جحظت عينا الشابين فهما يفهمان اليونانيه جيداً ولكنهم لم يتوقعوا تلك

االجابه قط ....


***********************************************

جلس روبن على ركبتيه أمام مذبح كنيسة آيا صوفيا ممسكاً بصليب ذهبى

معلق برقبته ، أنهمك فى الصاله مغمضاً عيناه فى خشوع لم يغير الزمن كثيرا ً من مالمحه سوى احتالل الشعر االبيض لرأسه مع ذلك التاج الذهبى الذى
يحمل شعار عشيرة  (( النوفا )) ، فى تلك اللحظات كان يعبر باب الكنيسه

(( ماردين )) االبن االكبر لروبن وفى صفاقه ليس لها مثيل أخذ يصيح وهو

يتقدم  : - سيدى الملك


لم يجبه روبن الخاشع فى الصاله ولم يعيره أى اهتمام فى حين أخذ الرهبان

باالشاره له بان يصمت ، لم يهتم الشاب المغرور لهم وصاح من جديد  :

- أبـــــــــــــــــــى .....


أيقن ( ماردين ) أن ال فائده منا الصياح أ كثر من ذلك حينما تلقى الصمت من والده الذى الزال فى صالته ، تجول الشاب المغرور بين أعمدة الكنيسه
وراح يطلق صفيراً اليتناسب مع قدسية المكان  ....  كان ماردين تجسيد

للغرور و الكبرياء اليترك كبيره اوصغيره إال ودس أنفه الطويل بها .... يقضى يومه بين الحانات وأحضان العاهرات يعيش على يقين أنه االمبراطور القادم ... يمتلك من الغرور ما يضفي عليه قدر من البالهه مع ذلك الطول الفارع
الذي يتميز به .

أنهى روبن صالته وبهدوء أستدار إلى ماردين الجالس على منصه عاليه

تحمل  تمثاأل ألحد القديسين ، ما أن وقعت عينا روبن عليه حتى فاض الغضب منهما مما جعل ذلك المستهتر ينتفض وينزل فى رعب من نظره اباه
، وفى صوت يحمل براكين من الغضب ناداه روبن :

.... أتبعنى -

خرج روبن ومن خلفه ماردين يجر أذيال الحنق والبغض .. و دون أن يتوقف

روبن عن سيره سأل ماردين :


- ماذاتريد ؟؟

- كيف يقود ( نيها ) قافلة تشيان جان  ؟؟

فى صرامه أجاب روبن  :

- الدخللك


أبتلع ماردين مرارة االجابه وعيناه تنظر لوجوه الحراس المرافقين لوالد ه قبل

أن يقول :

-  لماذا تفضله عنى ؟ ؟ لقد  ....

قاطعه روبن :

- ال أفضله بل قدراته هى من تؤهله لذلك ... ومره أخرى ليس لك الحق

بالتدخل فى قراراتى .

- أبى اعطنى فرصه أثبت لك فيها أنى أستحق القياده بدال عن هذا الصينى

..

كألف زلزال كان وقع الكلمات على روبن الذى استدار فى عنف ممسكا ًبعنق ماردين الذى جحظت عيناه فى ألم وهو يستمع لصوت والده
الغاضب :


- إذا تحدثت عن أخاك هكذا مره أخرى فسيكون عقابك الموت


دفع روبن الفتى بكل قوته ليسقط أرضاً قبل أن يكمل في غضب :

-  سوف تذهب إل ىسمرقند عندما يعود  ( أراكيس) من رحلته

أمتطى روبن فرسه ومن خلفه جنوده تاركين ورائهم ماردين الجالس أرضاً

وقلبه يحمل الكثير والكثير ..

*******************************************************

الظالم الدامس يعم المكان السكون القاتل يقطعه صوت تساقط قطرات ماء

اليعرف إلى أين يذهب فكل شئ من حوله يكسوه الظالم .... أمتدت يداه

تلتمس الطريق حين ارتطمت بشئ صلب بارد إنها صخور  ...  ومن تحت قدماه برك مياة لزجه ... تكاد أذنيه تسمع صوت الصرخات البعيده قادته قدماه بإتجاه الصوت لم يدرى كم من الوقت ظل يمشى بإتجاه الصرخات

التى مازالت بعيده  ( هل هذه نيران ) تلك البقعه من الضوء التى راحت

تقترب وتقترب ( انه شخص ما يحترق أو ان جسده مشتعل يرفع رمح نارى ،المسافه بينهما تقل أ كثر فأ كثر ويقذف ذلك المشتعل رمحه ليضئ ظلمة الكهف ،أيقن أن الرمح سيخترق جسده وفى تلك اللحظه ينتفض الصقر
الذي خرج من العدم ليحمل الرمح ويطير به بعيداً ليظلم الكهف مره اخرى

.... إال من الشخص المشتعل الذى وبطريقة ما كان يقف أمامه أحس بلهيب

نيرانه تلفح وجهه (( ستعانى .... احبائك سينزفون وأنت أيضاً ستنزف ))

كان ذلك المشتل يحدثه و ..... أستيقظ هاشم فى فزع من نومه وهو ينظر بأنحاء غرفته لم يكن هناك سوى
صقره الذي يقف على طرف الشرفه جلس فى فراشه دقائق .... حتى سمع

صوت أذان الفجر يأتى من مسجد غرناطه الجامع أ كبر مساجد المدينه .

بعد الصاله جلس هاشم يفكر فيما قالته أثينا .... كان لكلمة ديابلوس أثر بالغ فى كابوس هاشم الذى جلس مع أثينا يقص عليها ما رأى .. فهي تعني
بالعربيه " الشيطان " .....


" أنه يعرف بمكانك " ...

قالتها أثينا لهاشم الذى يجلس أمامها وفى توتر أ كملت :

- وهذا يعنى أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من الحجر الرابع ... هاشم .

- نعم موالتى...


قطع حديثهما طرقات على باب الغرفه تبعها دخول أحد الخدم قائالً فى توتر

:


- عذراً موالتى فهناك شئ يجب أن تشاهداه


حملت مالمحهم القلق وهم يسيرون بإتجاه بوابة القصر حيث تجمع عدد من الحراس وعلى االرض كان يجلس أحمد وأمامه شخص ما ملقى على االرض ... غارقاً فى دماء تنضب بها جروح بأرجاء جسده ، تراجع الحراس
ليفسحوا الطريق إلى أثينا وهاشم الذى إنحنى ليرى من ذلك الشخص فى

حين قالت أثينا وهى تعقد حاجبيها :

- من هذا ؟؟

اجابها أحمد :

- أنه (( بيتو )) ولى عهد قشتاله


..... هل -


- نعم موالتى انه حى

- ماذا تنتظرون أذن  !! أنقلوه إلى غرفه الطبيب بسرعه قالتها بلهجه آمره  فى

حين حمله أحمد وهاشم والحرس إلى غرفة الطبيب .


******************************************************

•جبال الموت


تسللت أشعة الشمس عبر نوافذ الغرفه التى أستقر بها (بيتو) لتضفى دفء أفتقده جسده المغطى بالجروح والذى استطاع طبيب القصر فى عالج بعضها ، لم يكن أحد يعلم ما حدث له ولكن الطبيب أخبرهم أن هذه
الجروح مصدرها حيوان مفترس حاول قتله ، لربما كان بيتو برحلة صيد وأثناء

ذلك وقعت الحادثه وهاجمته بعض الذئاب .....

السؤال الوحيد الذى جال بعقول الشابين الجالسين بجواره :

(كيف قطع تلك المسافه إلى داخل حدود غرناطه ؟؟ )


تيقظت حواسهم مع دخول أثينا إلى الغرفه ليقفا فى تبجيل وإ حترام .


- كيف حاله االن ؟؟


أجاب احمد وهو ينقل بصره إلى بيتو الفاقد الوعى :

- مازال يهذى دون توقف

رفعت عيناها الزرقاوين إلى هاشم الذى جلس على طرف الفراش واحمد

يكمل :


- لقد أكد الطبيب أنه فقد الكثير من الدماء  ... ولن يسترد وعيه قبل أيام


مالمحها حملت القلق والشك الذى راح يعصف بكيانها ، الحظ هاشم ذلك

مما جعله يقول :

- أمى ... هل تظنين إنها البدايه ؟؟


... اعلم ال -



ألقتها وكأنها تلقى حجر ببركة ماء حيث إجتاح الوجوم وجه الشابين ، مزقت

هى صمت الغرفه التى بدأت الشمس تنسحب منها بهدوء :


- إذا عاد إلى الوعى أرسلوا فى طلبى .


أومأ هاشم برأسه بينما قال أحمد :

- أمرك ياموالتى .

خرجت أثينا من الغرفه تاركه خلفها ولديها يتبادالن نظرات الحيره ... أما هى فقد كانت تعلم أن الدور قد حان على غرناطه وأنها مجرد أيام ولربما
ساعات.


******************************************************


عبرت قافله عظيمه بوابات القسطنطينيه التى زينت بأعالم العشائر ومع أصوات االبواق المرتفعه راح الناس يتجمعون على جانبى الطريق كعادتهم البعض يحمل األطفال واخرون يشرئبون برؤوسهم  ليشاهدون قافلة " أراكيس
" العائده من رحله دامت أل كثر من ثالثة أشهر ، كان يتقدم القافله بزيه المميز

زى الساموراى الذى نقش عليه الشعار التى تحمله االعالم الزرقاء للعشيرة البيزنطيه الحاكمه وإلى جانبه كان ذلك الملثم ذو العمامة الحمراء الذى راحت عيناه تجول بوجوه الحشود التى ميزته مع باقى فرسانه الذى يرتدون
نفس الزى الذى  يرتديه ذلك الملثم  .


بين الحشود تناقلت األلسنه كلمات ساخطه مثل  (( إنهم االتراك العثمانيون )) .... (( لكم أ كره االتراك )) ظلت الهمسات فى التناقل بين جموع الناس بعضهم ال يبالى بوجودهم واخرون حانقون  ، وأخيرا وصلت القافله
الى سوق المدينه حيث راح التجار فى إنزال البضائع ، ظل أراكيس وفرسانه

على ظهور الخيل قليالً قبل أن يتحركوا بإتجاه القصر حيث كان ينتظرهم

(روبن )  فى شوق لمعرفة أخبار الشرق البعيد.

عبر أراكيس وذلك الملثم وبعض الفرسان حديقة القصر ذو االعمده الرخاميه

والتى تحمل الطابع الرومانى وزينت رؤوسها صوراً ألباطره بيزنطه  تشير

سيوفهم الى مدخل القاعه الملكيه الكبيره حيث يجلس روبن على عرش

ذهبى حملته 4 وحوش تشبه التنين ولكن لها رؤوس االرانب وعلى جانبيه

أصطف عدد كبير من المقاعد ، توقف أراكيس ومن معه وهو يحنى رأسه

محييا ًأمبراطور بيزنطه الذى نزل عن كرسيه وتقدم ليحتضن رفيق دربه

وصديقه أراكيس وما ان انتهينا من الترحيب الحار حتى استدار ليحيى الحضور مع أراكيس  ، حضر الخدم يحملون أباريق من الذهب وراحوا
يضيفون الوفود التى راحت  تقدم الهدايا لروبن .



أزال " براق " اللثام عن وجهه كان يبلغ من العمر أربعين ربيعاً فها هو يجلس

بقصر أمبراطور القسطنطينيه بل هو أكبر حليف لهم ، ( براق محمد جبلى ) حفيد بايزيد الصاعقه وقائد عشيرة  (( الخالدين )) ما تبقى من العثمانيين بعد تدمير السلطنه على أيدى تيمور لنك وجيشه الجرار ... كان قراره صائبا
بتحالفه مع روبن برغم المعارضين من كال الجانبين إال أنه وجب ذلك

التصالح حتى ال يقضي علي ما تبقي من اهله وعشيرته وسط التالل والسهول

...


- كيف كانت رحلتكم ؟؟

رد أراكيس قائالً :

- عظيمه ..... تنهد أراكيس وهو يكمل ....  لم تقابلنا أى مشاكل ونحن في

طريق الذهاب لم نرى سوى أمم هلكت ومدن خاويه سكنتها االشباح .


قطع روبن حديثه  ليختصر ما قد ينغص عليه صفائه :

- وكيف هى سمرقند ؟؟


- صامده أمام جيوش " يورشى " مابين الحين واالخر تأتى كتائبه محاوله

دخول المدينه لوال شجاعة فرسانها لكانت االن بين أيدى وحوش يورشى ..

.. أضطررنا فى رحلة العوده إلى عبور جبال هندوكش لتفادى التصادم مع

جيش الموتى التابع ليورشى .


- جيش الموتى ؟؟

تابع أراكيس :

- هكذا يسمونه فى سمرقند يقبع هذا الجيش بالسهول القريبه من

سمرقند  على الطريق المؤديه لهوتان وهم عباره عن مومياوات أو موتى

أستحضر أرواحهم ذلك اللعين  ...ويقودهم شخص يسمى لورد ( ياركين ) ..


كان روبن يلقى السمع وعقله يحثه على نقل المخطوطه والحجرالرابع فقد كان يعلم أن سمرقند هى القلعه الوحيده الباقيه فإن ما سقطت أصبح الطريق الى القسطنطينيه على مصراعيه ..... اخذ فرس القلق يجول في رأيه
وأراكيس يكمل حديثه :


- بطريق عودتنا تعرضنا للهجوم من إحدى عشائر اللصوص ولكن

بسالة حلفائنا الخالدين كانت سبب رئيسى فىا لفوز بالمعركه والعوده بالقافله

سالمه.

فى تلك اللحظه كان بُراق يبتسم فى زهو وفخر وهو ينظر بثقه إلى روبن الذي

ابتسم بدوره مومأ برأسه لضيفه الذي جاء دوره فى سرد قصه العوده .


*******************************************************


أنطلق فرس برونزى اللون يشق الغابه المظلمه متجاوزاً بين قفزاته بعض برك المياه الضحله بينما تالحقت أنفاس ممتطيه الذى راح يلتفت خلفه بين الحين واالخر والعرق يغرق وجه الذى أحتله الخوف والرعب ، كان يحاول

أن يرى مالحقه الذى أختفى فجأه وكأنه تالشى و مع أختفاء مطارده زاد

الخوف الذى نقله إلى فرسه ليسرع أ كثر فأ كثر والتمضى ثانيه حتى يتلفت

ليرى إن عاد مطارده الذى اختفى منذ قليل و ..... وجده يقف أمامه ، بقرونه العظيمه وعيونه الحمراء وذلك الوجه الذى يشبه وجوه الماعز أنه جسد
بشرى يداه التى تحمل مخالب ذهبيه كادت أن تمزقه منذ قليل ، حاول أن

يوقف فرسه الذى ما أن رأى ذلك الشئ حتى رفع قائمتيه االماميتان ليقف على قدمين مطلقا ًصهيل عالى تردد صداه بين االشجار المتراصه ، ليسقط
الفارس أرضاً وينطلق فرسه بعيدا ًوسط الظالم حاول النهوض مرتكزاً على

سيفه وعلى ضوء القمر الذي يحاول جاهداً ان يبرز من خلف السحب الكثيفه ، رأه جيدا ًحيث يقف وبخار انفاسه يتصاعد ليضفى المزيد من
الرعب عليه تقدم ببطىء ظافر ،  جاهد  محاوالً  الوقوف على قدميه متحامالً

علي أالام راحت تغزو جسده المسجي ، و تبادل األثنان الضربات لكن دون

تكافؤ فذلك الشئ الشبه بشرى أضخم مرتين منه وذراعاه ذات المخالب

الذهبيه أقوى من ذلك السيف الذى تهاوي تحت وطأة الهجوم المتتابع ، وانكسرالسيف وقبل أن يتملك الذهول من ذلك الفارس كان االلم هو البديل
عندما غرست المخالب بصدره لتمزق عضالته ،سقط أرضا  بفضل تلك

الجروح المميته أدرك حينها أنها النهايه فقد رفع ذلك الشئ وجهه المليئ

بالشعر للسماء يطلق صوت يشبه صوت الماعز ثم ينظر بعيناه الحمراوين الذى

تجسد بهما الجحيم ليهوى  بمخالبه عليه و.....

أستيقظ صارخا ًليجد نفسه بداخل تلك الغرفه ذات االثاث العربى وجدران

تحمل النقوش االسالميه ،فُتح الباب  بعنف ليدخل منه هاشم ومن خلفه

احمد شاهرين سيوفهم ، لم يكن بالغرفه سوى بيتو الراقد بالفراش ناقالً بصره

بينهم في فزع .... ينتهي كابوس ليجد نفسه فى بيت أحد العرب ...

فقد كان يريد معرفة كيف جاء إلى هنا .....


وهم يريدون معرفة سبب جروحه واالهم كيف أتى إلى هنا ؟؟.






*******************************************************************

******

أختلط صوت الموسيقى بصوت الضحكات والصخب الذى يحدثه رواد الحانه بينما جلس ماردين شارد الذهن فلم يعبأ بتلك الراقصه التى راحت
تلوى أمامه وكأنها حيه مجلجله  ولم يعر أي اهتمام لرفاقه الذى أخذ كل منهم

يغازل احدي  العاهرات ، كان يفكر بما قاله والده له ليتركه بعدها يحتسى

مرارة الحقد والكره اللذان كبرا معه منذ مجئ ذلك الفتى الصينى المدعو " نيها " أمتلك كل شئ حتى أصبح الفتى المدلل لدى روبن لقد عامله دومأ
أفضل منه وهو ولده ابنه الحقيقى وليس المتبن ، تعلما االثنان على أيدى

الفرسان والعلماء حفظاً عن ظهر قلب قسم عشيرة النور (( النوفا )) ولكنه لم يحمل لنيها غير البُغض والكراهيه ، كان ماردين يعرف أنه االمبراطور القادم
ألنه االبن الشرعى ولكن ما يقلقه حب الفرسان ل نيها وليس الفرسان فقط

بل عامة الناس كان يغار على عرش لم يجلس عليه بعد ...


- هل ستظل شارداً هكذا طوال الليل ؟؟!


جائت الكلمات من شفتى أحدى العاهرات التى كانت تقف امام ماردين وهى تميل إلى االمام فى دالل لتظهر ما قد ستر من باقى صدرها النافر والذى
تعلقت عينا ماردين به فى شهوه وهو يقول : بل سنكتشف سوياً تلك

الهضاب رددت الجدران ضحكاتها ، قبل أن يحملها ماردين بين ذراعيه وهو يقبلها  وسط ضحكات السكارى والساقطات  وارتفاع الكؤوس فى تحيه لولي العهد السكير  و ..... ساد الصمت فجأه حينما عبر الباب جنود
االمبراطور يتقدمهم أراكيس بزيه المعتاد ليقف أمام ماردين المنشغل بتقبيل

عاهرته أنهى قبالته وقد لعبت خمر شفاها برأسه :

- لماذا صمتم أيها ال ....

أبتلع ما تبقي من جملته  وهو ينظر ألراكيس الذى عقد ذراعيه على صدره

قائالً :

- هل أنتهيت ؟؟


علم ماردين أنه امام فقره من التأنيب والتوبيخ ولهذا حاول أن يبدء هو

محاوالً أضفاء سلطته على أراكيس أمام الحشد :


- وما دخلك ؟؟


أحتقن وجه أراكيس فى حنق قبل أن يقول :

-  لقد تماديت هذه المره .


- ماذا ستفعل ؟؟ ستضربنى ؟؟ تعتقلنى ؟؟ هيا أفعلها ...


وتعالت ضحكاته الساخره وهو يلتفت للوجوه المتابعه للحوار وقبل ان يلتفت

مره أخري إلي أراكيس أستقبل وجهه قبضه  أراكيس لتسقطه أرضاً وهو يمسك بفكه فى ألم وعيناه تكاد تخرج من محجريهما من الجحوظ ، أنحنى أراكيس بإتجاه ماردين الذى رفع يداه ليحمى وجهه من أراكيس الذى همس
فى خفوت :


- المره القادمه لن تشعر بااللم ألنك لن تكون بعالمنا .

وأدار أراكيس عيونه بالمكان الذى تراص بتماثيل بشريه قطعت ألسنتها قبل

أن يتحرك مغادراً الحانه قائالً :

- أستعد لرحلة دون هانج أيها االمير .


كانت كلماته مزيج من التهكم والحزم خرج وتبعه جنوده ، بينما جلس

ماردين أرضاً والغضب يفيض من قلبه حاولت رفيقته مسح الدماء التى تسيل

من جانب فمه أشاح بوجهه وهو يحنى يدها يدها جانباً فى عنف ، قام بعدها متجهاً لباب الحانه فقد أهدرت كرامته على يد ذلك الساموراى الحقير أمام
العامه .... كانت ع يناه فى تلك اللحظات تحمل بريق غريب .


************************************************************


فى اهتمام كانت أثينا تتابع حديث بيتو الذى راح يقص عليهم  ما حدث منذ أحتراق مجريد " مدريد " بالقرب من قرطبه بأيدى تلك المخلوقات الغريبه
والتى راحت تجوب أرض مملكه قشتاله تقتل وتحرق كل ما يصادفها ....

لقد كانوا يبحثون عن شئ ما ... ال يعلم ماذا حدث كل ما يذكره هو إنقاذ

فرسه له ذلك الفرس األندلسي الذي اهداه له والده فكبرا سوياً أنقذه صغيراً

وها هو يعود وينقذه مره اخري .

شبح أبتسامه رأه هاشم على شفتي أثينا لم يلبث وأن تبدد أما هي فقد شعرت

بالبروده تسيطر عليها أو ربما شىء أخر قد بدء يسري فى عروقها ، فقد باتت

تعرف أنه ال وقت للحديث عن تأمين غرناطه فما هى االساعات وتأتى جيوش الشر ، التى كانت تتقدم بالفعل عبر االراضى الغرناطيه فى تلك
اللحظات .


- أهناك تفسير لما يحدث ؟؟ قالها بيتو وهو يعتدل فى جلسته متغلباً على

أالمه ..


- يبدو أن الكثير قد فاتك ... قالها هاشم وهو يداعب صقره الذى أصبح

يرافقه طوال الوقت  نقل بيتو نظره بينهما فى حيره قبل أن يوجه حديثه إللى

أثينا :

-موالتى أتعرفين شئ ؟؟ جاء سؤاله لينتزعها من سباتها :

- هاشم يجب أن تغادرو االن


- إلى أين ؟؟


كان يتوقع ان تقول إلى خارج الغرفه عندما سمعها تقول :

- يجب أن ترحلوا االن غادروا غرناطه

لم يفهم بيتو ما يحدث فى حين قال أحمد وقد ظن ان أمه قد مسها الجنون :

- أمى ماذا تقولين ؟؟؟  لن نترك غرناطه ......

-  أحمد نجاتكم تعنى الحياه لغرناطه وغيرها إذا كان هناك غيرها .

إستدارت تواجه هاشم وتتأمله قبل ان تكمل : هذا قدركم وما وجدتم من

أجله .


.... أمى -


-  أحمد ... إستمع إلى جيداً عليك أن تعدنى بحماية أخاك وأنت أيضاً يا

هاشم .... أحمال بيتو معكم .


- إلى اين ؟؟  كان ذلك بيتو الذى مازال ال يفهم ما يحدث  تجاهلته قائله :

-  سيرشدكم هذا الصقر إلى حيث يجب أن تكونوا واآلن هيا ال يوجد وقت

أ كثر إلضاعته تذكروا أن عدوكم سيستغل خوفكم وقوتكم أيضاً ... مصير ما

تبقى من البشريه بين أيديكم ....

أنهت كلماتها وعيناها تفيض بالدموع ... دموع أم أوشكت أن تفارق أوالدها أحتضنتهم فى قوه وهى تبكى ، ومازال بيتو فاغراً فاه فى دهشه أما
هاشم فقد ظل صامتاً ال يفهم ما يحدث كان يحاول سبر أغوار أثينا التى

كانت قد جهزت لهم مسبقاً كل شىء الخيول الزاد وبعض المتاع .

- سنبقى ونقاتل ..... أختلطت كلمات أحمد بالدموع بينما أحتضنت أثينا

وجهه بكفيها :

- ستبقى وتقاتل ولكن ليس االن وليس هنا ... أعثرا على شخص يسمى ((

آل أيز )) سيرشدك صقرك  إليه واآلن ال أريد رؤية دموعك

كانت توجه حديثها لهما اخذت هاشم جانباً مربته على كتفيه :

- يا صغيرى انه قدرك فال تبتأس هكذا وال تقلق فيوما ما ستصل للحقيقه ...

يوما ما ستعرف انك من نبحث عنه .... إن كنت إنقاذ غرناطه فعليك الذهاب

للقسطنطينيه وأذا نجحت فستنقذ العالم وليس غرناطه وحدها .... لم يفهم كلماتها األخيره تبسمت وهى تلقى نظراتها  إلى أحمد الذى حمل
بيتو لتكمل :

- هاشم أحمى أخاك وال تفترقا أبداً ... هذه القالده هى تميمة عشيرة النور

حافظ عليها ....

وضعتها فى يده وهى تغلقها برفق على القالده أومأ هاشم برأسه وأسى الفراق

يجتاحه ، كلما طال وقت الوداع كان عذاب الفراق أقوى فبعد دقائق من الوداع كان هاشم ورفيقيه يتجاوزان البوابه الشرقيه للقلعه بإتجاه مالقه كما
أمرتهم أثينا حيث سيركبون البحر إلي القسطنطينيه .

طويت االرض تحت أقدام الخيول االندلسيه التى راحت تعدو فى قوة حامله

فوقها هاشم ورفيقيه فى رحله فرضها عليهم القدر ، وفى غرفتها كانت أثينا ترتدى درعها بمساعدة خادماتها ....  في تلك األثناء كان هاشم ورفيقاه يعتلون ربوه عاليه وهو يلقى نظره أخيره على غرناطه التى كان يحاصرها
بذلك الوقت آالف من مخلوقات (( الجوت )) شاهد بعيناه الدامعتبن

أبواب المدينه تفتح ويخرج منها فرسان غرناطه حاملين االعالم الخضراء لينخرطو بالمعركه ... رآه يحلق فى السماء فوق ساحة المعركه قبل أن يتجه
نحوه مد هاشم يده ليهبط عليها نقل بصره بينه وبين المعركه قبل أن يقول :

- هيا أرشدنا إلى الطريق


وكأن ذلك الصقر فهم ما قاله صاحبه فضرب الهواء بجناحيه مصدراً غقيقه

وهو يطير محلقاً ليلحق هاشم برفيقيه وتبدأ رحلتهم .

*******************************************************************

(( ستعانى .... أحبائك سينزفزن أنت أيضاً ستنزف ))

أستيقظ هاشم مع صدى تلك الكلمات المصاحبه للكابوس الذى اعتاد زيارته أثناء نومه ، كان بداخل قارب ليس بالكبير وإلى جانبه بيتو الذى راح يغط فى نوم عميق ، تثائب وهو يبحث بنظراته عن أحمد الجالس على طرف

القارب كما تركه باالمس لم يتحرك ولم ينم ، يومان منذ خروجهم من مالقه

...


- احمد ....لم يتلق هاشم

- أحمد ماذا بك ؟؟

دون أن يلتفت لهاشم جائت نبرات صوته الحزين تعبر عما بداخله :


. شئ ال -


تلفت هاشم لتبحر عيناه فى زرقه ال متناهيه سماء وبحر ال ينفصالن  أستطرد

قائالً :

- سنعود ... أعدك يا اخى أننا سنعود وسنراها مجدداً

تبسم أحمد فى حزن وهو يشير إلى " الباشق" صقر هاشم المحلق عالياً :


- لم يهبط منذ رحلنا عن غرناطه تابعته طوال الليل ، يبدو أنه حزين على

فراقها أيضاً

عقد هاشم حاجبيه :

- ألم تنم ؟؟


- ال يجب أن يظل أحدنا يقظ ... سنتناوب الحراسه .

- حسناً أذهب أنت لتاخذ قسطاً من الراحه وسأتولى أنا المالحه ..... أنهى

هاشم حديثه بصفير عالى وما هى اال لحظات حتى كان الباشق يهبط  أمامه .

أرخى أحمد جسده بجانب بيتو ومازال يسترجع كلمات والدته التى لم يعلم مصيرها كانت تحدثه نفسه (( أنه سيعود يوماً وأنه سيراها مجدداً ))  كان من
ذلك النوع الذي يرتبط بوالدته فتصير هي كل شىء وكل ما تقوله صحيح

وكل افعالها حتى وان كانت توبخه  فى مصلحته ... كلمات هاشم له كانت بصيص االمل .... األمل الذى غاب عن االرض منذ عقود ، ذهب احمد إلى
عالم الغفيان والتثاؤب بعد ليله  طويله سامر فيها النجوم .....

ليله ستبقى ليروى عنها التاريخ .


************************************************************





•الغدر


يولد البشر متساويين وكلما تقدم بهم السن تغيرت طموحاتهم وأحالمهم فتجد منهم صاحب النفوذ وصاحب الذكاء تجد من  يملك وآخر ال يملك
تختلف مشاعرهم وأخالقهم ، تختلف أطماعهم فال تجد أثنان يتشابهان ،

بهذا الزمان أصبحت من تحكم المدن الباقيه عشائر قويه ... عشائر تناضل

من أجل البقاء على قيد الحياه آخر المدافعون عن البشر . أحد هذه العشائر هى عشيرة ((الخالدين )) االتراك أو باألحري  ما تبقى
من العثمانيين ها هم يعيشون بالقسطنطينيه بجانب حلفائهم البيزنطيين

وغيرهم ممن هاجرو من أوروبا إلى عاصمة العالم الصامده .... كان تواجدهم بالمدينه يثير غضب بعض السكان فلم يجدو فيهم سوى أعداء قدامى برغم أصرار ((روبن)) على التحالف معهم لم يرضى بذلك عدد كبير من فرسان
الجيش البيزنطي الذي صار جزء من عشيره النوفا وكان على رأسهم ((ماردين

. ))

كره ماردين االتراك كما يكره أخيه بالتبنى وكثيراً ما كان يثير المتاعب والمشاكل معهم ، تحمل : بُراق ذلك الفتى بكل ما يستطيع من صبر ليس من أجل والده أو تحالفه بل من أجل العرش ، ذلك العرش البيزنطى الذى حاول
أجداده  على مر العصور فى الحصول عليه حاول الكثيرين قبله فتح المدينه

العظيمه وكاد ينجح جده بايزيد  بذلك لوال خادم الشيطان (( تيمور لنك )) كان هناك شئ بداخله أن هذه المدينه يحفظ بداخلها مخطوطه الطقوس وذلك العنصر الرابع .... غموض روبن وأبنه ذو المالمح الصينيه يدالن على
ذلك ... أراد أن يحكم  أراد أن يقضى على "  يورشى " وجيشه ليظل التاريخ

ذاكراً ألمجاده بجانب أمجاد أجداده .

فها هو يقف مودعاً قافلة أراكيس المتجهه إلى ((دون هانج )) تلك المدينه القابعه على طريق الحرير خلف صحراء ((تكال مكان )) كان يرمق ذلك
الفتى المتبتخر متمنياً أال يعود مره أخرى لكم أ كره هذا المغرور ((ماردين ))

، تبادل االثنان نظرات تعبر عن مدى ما يكنه اإلثنان من كره .... مضي براق بعد رحيل القافله إلي سوق المدينه حامالً  بداخله امواج متضاربه أمواج ال
تهداأ وال تتوقف.


*****************************************************


يومان من االبحار ولم يظهر أى شاطئ الشمس الحارقه والمياه المنبسطه فقط

اللون االزرق هو المتحكم بكل شىء سماءً وبحراً...


- أنتم مختليين ....

قطعت كلمات بيتو صمت القارب المتهادي فوق المياه فى حين نظر له أحمد

بغضب :

- أحفظ لسانك يا هذا .


- وإن لم أحفظه ماذا ستفعل ؟؟

- أصمتواااا .... نحن فى مأزق واحد جميعاً ...

أرتفع  صوت هاشم ليغلق باب التراشق قبل أن يكمل :

- بيتو لقد قصصت عليك كل شئ والخيار يعود إليك .


- أى خيار ؟؟ هذا وسط ذلك البحر ؟؟؟  االن تقول هذا ؟؟ وأى يابسه

سنصل إليها ؟؟


صوت الباشق من فوقهم  جاء فى هذه اللحظه ليقطع مشاجره على وشك

البدء ... ألتفت ثالثتهم إلى الصقر المحلق عالياً غمغم هاشم : إنها  اليابسه . أشار بيده الي االفق البعيد .....اليابسه نعم إنها االرض الحت من بعيد تلعن عن بدء جوله جديده ... تعلن عن نجاتهم من ان يكونوا طعاماً لألسماء
فى قاع البحر الهائج تحت سماء تلبدت بالغيوم .


ساعه من الصمت أعد أحمد خاللها خيولهم فيما ظل بيتو يرمقه ويداه تتحسس جروحه التى مازالت مضمده وأخيراً الشاطئ الرملى الذى أحاطته الجبال الشاهقه ذات القمم الثلجيه ، أنزل كل واحد منهم فرسه وأخذوا
يحزمون بعض ما يحتاجونه على ظهور الخيل  ساعد احمد بيتو فى سرج

الفرس بعدما رأي عالمات التعب تصيبه بفضل جروحه التي لم تشفي بعد ،

- أحمد تقبل إعتذارى

أومأ أحمد برأسه وهو يبتسم :

- ال عليك يا صديقى


أخذ هاشم يمشط شعر فرسه الناصع البياض  " هاشم هذا الفرس لك ال يوجد

بغرناطه مثله يليق بأمير غرناطه "  تذكر يوم أن أهدته له والدته ذلك اليوم

الذى أنقذ أخيه من الغرق ....


- هاشم أين نحن ؟؟


- بيتو ألست تظن أنك تثرثر كثيراً ؟؟


- أؤيدك الرأى يا هاشم ...

بدايه مرحه لكسر تلك القيود بينهم .... فمنذ األن فى تجمعهم قوه وفى

تفرقتهم ضعف .


*****************************************************************


)) هوتان((

مدينة النور سابقاً وعاصمه الشر حاضراً، موقعها المميز وسط طريق الحرير جعلها مركزاً للتجاره وتالقى الحضارات كان هذا قبل أن يحتلها يورشى
وشياطينيه جاعالً منها مركز لقيادته ، حصنتها الطبيعه بصحراء ال تعرف

الشفقه شماالً " صحراء تكال مكان " حيث جيش ياركن الموالي ليروشي ويحدها جنوباً جمال الهماليا الشاهقه  إضافه إلى ذلك تحيط أسوارها بحيرات واسعه مما يجعلها قلعه حصينه على أعتى الجيوش وأمهر الفرسان
أصبحت تلك المدينه مالذ اللصوص والطامعين فى خدمة ذلك الساحر

ليتجنبوا الموت جابت أسواقها مخلوقات بُعثت من الجحيم لتخدم يورشى الذى يجلس االن على عرش هوتان محاطاً بمشعوذين وقادة بحثوا عن الخلود فصارو عبيدا له ، قريباً سينهى على ما تبقى من المدن المقاومه
ليحكم العالم بعد حصوله على الحجر الرابع .


كانت الطرقات الخلفيه هادئه خاليه من الماره حينما عبرها هؤالء الملثمون

المتشحين بالسواد حاملين أسلحه ودروع نقش عليها باللونين االبيض

واالحمر رمزان باللغه التٌخاريه لغة سكان ((حوض تاريم )) كان الرمزان

عباره عن إختصار (( عشيرة النينجا)) عشيرة اللصوص التى روعت القوافل

عبر طريق الحرير .


تقدم الملثمون إلى ذلك الباب الصغير الذي يتوسط عدد من المنازل الصغيره التى يبدو عليها شقاء السنين ، توقفوا متلفتين للتأ كد إن كان ما يتبعهم أحد قبل أن يدلفو عبر تلك  الفتحه بالجدار واحد تلو االخر ، فى الداخل جلست
شقراء وُشم خدها االيسر بتنين صغير وكأنه يحمل عيناها الخضراويين ....

كانت تحمل كأس تفيض منه الخمرترتشف منه في هدوء وهى تنظر للقادمين الذى ما أن أ كتملوا حتى تراصوا  فى صفوف داخل ذلك الوكر المضاء
بالمشاعل حى إنحنو لها ’ أنزلت ساقيها ذات الحذاء الجلدى الطويل عن

المنضده لتضع بعد ذلك كأسها أمامها :


- أريد أن أعرف كيف أستطاعت تلك القافله الهروب منكم ...

قالتها وهى تضع نصل خنجرها على شفتيها لتبدو مثيره رغم الغضب المطل من عينيها ، بينما أرتعدت أوصال الملثمون مع صوتها الذى بدالهم وكانه
نذير بما  هو أسوء.


تقدم أحدهم ليزيل اللثام عن وجه كاشفاً وجه جالت وصالت به السيوف من

قبل ، صلعته أضائت تحت وهج المشاعل التى امتأل بها المكان وبصوته

األجش الذي يتوافق تماماً مع جسده الضخم ووجهه المشوه :


- سيدتى لقد كانوا يفوقونا عدداً و ....


- أنتم أفضل محاربين بالصحراء ال تعزى هزيمتكم أمام االعداد فكم تفوقنا

على من هم أ كثر عدداً قل انك هُزمت يا ناشيك وأنك صرت كسول فاشل ...


وجهه الملىء بالندوب حمل خيبه األمل ، فقد دخل المكان بعدما رتب أفكاره وكلماته ليعزى بها هزيمته وها هى تحطم كل أماله فى التبرير ، كان

ناشيك يقف أمامها وكأنها ملك الموت جاء ليقبض روحه تصبب العرق من

جبينه وهى تخطو ببطء ودالل أفعي زاهيه األلوان تحمل من السموم ما قد

يفتك بمئه مثله كان يعلم أنها قد تكافئه على فشله بطعنه خنجر أو تجبره على تجرع سم زعاف ينهي حياته البائسه ، أقتربت منه حتى تالصق صدريها
وهمست باذنه بصوت أقرب للفحيح :


- أتعرف ما هو عقاب الفاشل ؟؟


إبتلع ناشيك كلماتها فى خوف ال يتناسب مع كونه رجل ضخم الجثه يهابه الجميع و دون أن ينبس بكلمه واحده ، راحت تسحب خنجره من جانبه بهدوء  كان يعلم أنها النهايه ، راقبت عيون الرجال ذلك المشهد فى ترقب
فها هو قائد فرقتهم سيغادر الحياه ، ورفعت الخنجر  و ...... ظن الجميع ان

ناشيك هالك ال محاله ولكنها فى حركه سريعه  قذفت الخنجر ليستقر بصدر أحد الرجال خلف ناشيك الذى أتسعت عيناه و تنهد فى ارتياح قبل أن تأتى
كلماتها بصوت غاضب :


- ناشيك لوال إنك المفضل عندى لكنت عشاء لذئابي الجائعه .


- موالتى اعدك بأن ال ...


- ال أريد وعود أريد رأس ذلك الفتي الذى هزمكم ... أنصرفوااا .

خرج الملثمون فى سرعه ومن خلفهم ناشيك الذى راح ينفض الضباب عن

ذاكرته التى لم تعد تحمل سوى وجه ذلك الفتى قائد القافله وجه  ((نيها.))


****************************************************************

شكرا لك ولمرورك